كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب خبر المبتدأ

صفحة 119 - الجزء 1

  فخلت ملغى. والتقدير: ما أبقى من مودة عراض المذاكي، يعني التقدم في الحرب ف (أراها) في البيت [كقول الشاعر]:

  ٦٥ - هذا سراقة للقرآن يدرسه ... والمرء عند الرّشى إن يلقها ذيب⁣(⁣١)

  أي: يدرس الدرس. ولا يكون: يدرس القرآن، لأنه إذا تعدى إليه باللام، لم يتعد إليه الثاني بلا لام. كما أن قوله: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها}⁣(⁣٢) فيمن قرأ: (ولكلّ وجهة) بالإضافة⁣(⁣٣)، يكون للمصدر، لأنه لا يكون للوجهة، لما ذكرنا. فثبت أن قوله: (ثمّ بدا لهم) أي: ثم بدا لهم بداء. كما أن قوله:

  ٦٦ - فجال على وحشيّه، وتخاله ... على ظهره سبّا جديدا يمانيا⁣(⁣٤)

  أي: تخال الخيل، والظن. [فإن قلت]: فهل يجوز أن تتعرى الجملة من الضمير العائد إلى المبتدأ؟!.

  [قلت]: لا، فإن لم يكن ظاهرا، فهو مضمر. وقد ذكر أبو الفتح هذا من كلامهم: (السّمن منوان بدرهم)⁣(⁣٥) على أن التقدير: منه، فحذف للعلم به. فلا بد من الضمير لربط الثاني بالأول.

  [فإن قلت]: في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ}⁣(⁣٦) فالذين كفروا: اسم إن. وهو بمنزلة المبتدأ. وقوله (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم): جملة. لأن سواء مبتدأ، وخبره أأنذرتهم أم لم تنذرهم. وليس في الجملة ما يعود إلى سواء، لا ظاهرا، ولا مضمرا. أما الظاهر فلا إشكال فيه. وأما المضمر، فإن كل شيء في الكلام قد استوفى ما يقتضيه. ففي أين يقدر ذلك؟! [قلت]: إن هذا الكلام، محمول على المعنى. فالذي قدره في الحجة، أنه في تقدير: سواء عليهم الإنذار، وترك الإنذار، ولو ذكر هكذا لم يحتج في الإنذار إلى عائد يعود منه إلى سواء. قال: فسواء مبتدأ. وما بعده في تقدير المفرد، خبر عنه⁣(⁣٧). والمفرد إذا لم يكن اسم فاعل، لم يحتج إلى ذكر يعود منه إلى الأول. ورأيت في بعض كلامه، أن قولهم: سواء علي: أقمت ام


(١) البيت من البسيط، بلا نسبة في: الكتاب ٣: ٦٧، والتحصيل ٤٠٦، ورسالة الغفران ٢٥٥، وشرح اللمع - لابن برهان ٢: ٥٩٦، واللسان (سرق) ١٠: ٧٧، وهمع الهوامع ٤: ٢٠٥، والخزانة ٢: ٣، ٥: ٢٦٦، ٩: ٤٨، ٦١، ٥٤٧.

(٢) ٢: سورة البقرة ١٤٨.

(٣) وهي قراءة: ابن عباس، وابن عامر. مختصر في شواذ القرآن ١٠، والبحر المحيط ١: ٤٣٧،

(٤) البيت من الطويل، لسحيم عبد بني الحسحاس، في: ديوانه ٣٠، وابن يعيش ١: ١٢٤.

وبلا نسبة في شرح اللمع - لابن برهان ٢: ٥٩٧.

الوحشي: الجانب الأيمن من كل شيء. اللسان (وحش) ٦: ٣٦٩. السب: الثوب الرقيق، وجمعه: سبوب، وسبائب، وفي الحديث: (ليس في السبوب زكاة). اللسان (سبب) ١: ٤٥٤.

(٥) المقتصد ١: ٢٨٠، ٢٨١، وشرح شذور الذهب ١٨٢، ٢٥٦.

(٦) ٢: سورة البقرة ٦. وينظر: إعراب القرآن - للنحاس ١: ١٣٤.

(٧) الحجة - لأبي علي الفارسي ١: ١٥٠، وفيه: (ونظير ما قلنا أيضا في المبتدأ قوله (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم) ألا ترى أن الذكر يرجع إلى هذا المبتدأ أيضا على المعنى).