باب خبر المبتدأ
  مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ}(١) فمتاع: يرتفع بفيها، لأنه صفة للنكرة. ولو قلت: مررت بزيد في الدار أبوه، ارتفع أبوه أيضا بالظرف، لأنه جرى حالا لزيد. قال الله تعالى {وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدىً وَنُورٌ}(٢). مرفوعان بالظرف، لأنه حال من الإنجيل. يدل على ذلك قوله: {وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ}(٣) فعطف مصدقا على حال قبله، وما ذلك إلا الظرف. وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ}(٤) وقال: {أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ}(٥).
  فهذه الأشياء كلها محمولة على الظرف، دون الابتداء، وكون الظرف خبرا عنها، يا أبا سعيد(٦). وقد كرر ذلك في الكتاب، في غير موضع. ألا ترى أنه أنشد في ذلك.
  [قول الشاعر]:
  ٧٤ - ظننتم بأن يخفى الذي قد صنعتم ... وفينا نبيّ عنده الوحي واضعه(٧)
  فالوحي رفع بالظرف، لا خلاف فيه، لأن [٣٤ / أ] الظرف الذي هو: عنده، جرى صفة لنبي.
  وكذلك: واضعه: صفة أخرى. وقد جاء ذلك في التنزيل، في غير موضع، وهذا مساغه. وإنما كان كذلك، لأن الظرف في هذه الأوجه، قويت مشابهته بالفعل، فرفع ما بعده، كما يرفع الفعل، بخلاف ما إذا لم يكن الظرف واقعا موقع أحد هذه الأشياء، لأنه إذ ذاك يجري مجرى سبب واحد. ألا ترى أن ما لا ينصرف إنما لا ينصرف باجتماع سببين دون سبب واحد. فقولنا: في الدار زيد.
  للظرف شبهة مشابهته الفعل، فلا يرفع ما بعده، لأنه يجري مجرى سبب واحد. فأما إذا وقع هذه المواقع، فقد قويت مشابهته بالفعل، فصار بمنزلة سبب واحد، في باب ما لا ينصرف.
  [قال أبو الفتح]: ويجوز تقديم خبر المبتدأ عليه. تقول: قائم زيد. وخلفك بكر. والتقدير: زيد قائم. وبكر خلفك. فقدم الخبران اتساعا. وفيهما ضمير، لأن النية فيهما التأخير. وقد ذكرنا هذا. أما الظرف فقد ذكرناه بالدلائل. وأما اسم الفاعل(٨)، إذا جرى خبرا لمبتدأ، أو صفة لموصوف، أو حالا لذي حال، أو صلة لموصول، أو معتمدا على همزة الاستفهام، أو على حرف النفي، فإنه يرفع ما بعده بمنزلة الظرف(٩)، باتفاق بين سيبويه، وأبي الحسن(١٠)، لا خلاف بينهما،
(١) ٢٤: سورة النور ٢٩.
(٢) ٥: سورة المائدة ٤٦.
(٣) ٥: سورة المائدة ٤٦.
(٤) ٣: سورة آل عمران ٤.
(٥) ٣: سورة آل عمران ٩١.
(٦) يعني: السيرافي. هامش الكتاب ٢: ٥١.
(٧) البيت من الطويل، لحسان بن ثابت الأنصاري، في: ديوانه ٢٧١، والكتاب ٢: ٥١، والتحصيل ٢٥٣.
(٨) في الكتاب ١: ١٦٤: (باب من اسم الفاعل الذي جرى مجرى الفعل المضارع، في المفعول في المعنى، فإذا أردت فيه من المعنى ما أردت في: يفعل، كان منونا. وذلك قولك: هذا ضارب زيدا غدا. فمعناه، وعمله: هذا يضرب زيدا غدا).
(٩) يعني بمنزلة الظرف المتعلق بكائن، أو مستقر.
(١٠) الكتاب ١: ١٦٦، وفيه: (ويزيد هذا عندك بيانا قوله تعالى جده: (هديا بالغ الكعبة) ٥: سورة المائدة ٩٥، و: (عارض مطرنا) ٤٦: سورة الأحقاف ٢٤، فلو لم يكن هذا في معنى النكرة، والتنوين لم توصف به النكرة).