كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب كان وأخواتها

صفحة 141 - الجزء 1

  قولك: أحق الناس بمال أبيه دل على الابن. وقولك: بمال ابنه دل على الأب. فقول من قال في قوله تعالى: {كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ} (١١)⁣(⁣١) إن الهاء من (أنها) تعود إلى الذكرى، من قوله: {أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى} (٤)⁣(⁣٢) والتقدير: إن الذكرى تذكرة، قول فاسد، إذ لم يفد بذكر الخبر على هذا التقدير شيئا. فالخبر للإفادة، كما أن الصفة للإفادة. وإذا كان كذلك [فقول الشاعر]:

  ٨٨ - يداك، يد: إحداهما الجود كلّه ... وراحتك الأخرى طعان تغامره⁣(⁣٣)

  فقوله: يداك: مبتدأ. وقوله: يد، في موضع خبره، وهو مفرد اللفظ، ومعناه: التثنية.

  والتقدير: يداك يدان. وجاز: يداك يدان، لأن قوله: إحداهما: مبتدأ، والجود خبره. والجملة في موضع الوصف، لقوله: يد. فجاز: يداك يد، وإن لم يكن في قوله (يد) وإن أراد به، يدان، فائدة، لأنه، لما وصفه بالجملة ازداد بذكر الجملة [دلال] ة⁣(⁣٤) لم تكن في المبتدأ. فهذا مساغ هذا الباب.

  ولا يجوز أن يكون اسم كان نكرة، والخبر معرفة، إلا في ضرورة الشعر. وأنشد [قول القطامي]:

  ٨٩ - قفي قبل التفرّق، يا ضباعا ... ولا يك موقف منك الوداعا⁣(⁣٥)

  فموقف: نكرة، وجعله اسم كان. والوداع: معرفة، وجعله خبر كان. قال: وهو ضرورة.

  وإنما حسن هذه الضرورة، أعني: جعل اسم كان نكرة، لأن الكلام نفي. وفي باب النفي، يجوز أن يكون الاسم، والخبر، جميعا، نكرتين. تقول: ما كان أحد مثلك. قال الله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} (٤)⁣(⁣٦). فكفؤا: نكرة، وهو خبر كان. واحد: نكرة، وهو اسم كان.

  [قال أبو الفتح]: ويجوز تقديم أخبار كان، وأخواتها على أسمائها، وعليها أنفسها، تقول: كان قائما زيد، وقائما كان [٤٢ / أ] زيد. وكذلك: ليس قائما زيد، وقائما ليس زيد. [قلت]: هذا الكلام منه مطلق، ولا ينبغي أن يكون على هذا الإطلاق، وذلك، لأن الخبر في هذا الباب، ينقسم ثلاثة أقسام:

  [الأول]: أن يجوز فيه تقديم الخبر على الاسم، وعلى الفعل، وذلك في: كان وصار، وأصبح، وأمسى، وظل، وبات. لا خلاف عند البصريين في جواز: كان قائما زيد، وقائما كان


(١) ٨٠: سورة عبس ١١.

(٢) ٨٠: سورة عبس ٤.

(٣) البيت من الطويل، لم أهتد إلى قائله.

(٤) طمست الكلمة في الأصل سوى (ة)، والسياق على ما أثبت.

(٥) البيت من الوافر، للقطامي (عمرو بن شييم)، في: ديوانه ٣١، والكتاب ٢: ٢٤٣، والتحصيل ٣٢٤، والمقتضب ٤: ٩٤، وشرح اللمع - لابن برهان ١: ٢٩١، وشفاء العليل ١: ٣١٧، والخزانة ٢: ٣٦٧، ٩: ٢٨٥، ٢٨٦، ٢٨٨، ٢٨٣.

وبلا نسبة في: شواهد التوضيح ٨٨، وابن يعيش ٧: ٩١، والجمل ١: ٣٥٤، والمغني ٢: ٤٥٣.

(٦) ١١٢: سورة الإخلاص ٤.