باب لا، في النفي
  فإنّ (لا) في هذه المواضع، جاز أن يعمل ما في حيزها، فيما قبلها، وأن يفصل بين الجار، والمجرور، وأن يتخطاها العامل، كما يتخطى (ها) التي للتنبيه، في قولهم: مررت بهذا الرجل.
  [قال أبو الفتح]: فإن فصلت بينهما بطل عملها. تقول: لا لك غلام، ولا عندك جارية.
  قال الله تعالى: {لا فِيها غَوْلٌ}(١) وإنما بطل عملها، لما ذكرنا، أنه جواب سائل سأل: هل من رجل في الدار؟. فكما لا تفصل بين (من) وبين المجرور، لا تفصل بين (لا) وبين معمولها، مراعاة للمعنى الذي ذكرناه.
  [قلت]: فإن عطفت، وكررت (لا)، جاز لك فيه عدة أوجه. تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، جوز في هذه خمسة أوجه، بشرطين اثنين: أحدهما: العطف، والثاني: التكرير، جوّز نصبهما، ورفعهما، ونصب الأول، ورفع الثاني، ورفع الأول، ونصب الثاني، ثم جوز من بعد ذلك نصب الأول، بلا تنوين، ونصب الثاني بتنوين. والتكرار في هذا، كأنه ليس بشرط، وإن كان الأغلب عليه، لأنه قد جاء ذلك، ولا تكرار. [قال الشاعر]:
  ١٤١ - من صدّ عن نيرانها ... فأنا ابن قيس، لا براح(٢)
  وأنشد سيبويه:
  ١٤٢ - تركتني، حين لا مال أعيش به ... وحين جنّ زمان النّاس، أو كلبا(٣)
  أي: حين ليس لي مال [وقال الآخر]:
  ١٤٣ - أبى جوده لا البخل، واستعجلت به ... نعم، من فتى لا يمنع الجود قاتله(٤)
  فأضافوا (لا) إلى البخل، تصوروا فيه الاسمية. ويجوز لا البخل، بالنصب، على أن يكون (لا) منصوبا ب (أبى).
  والبخل: بدل منه، كما [قال الشاعر]:
  ١٤٤ - بثين الزمي (لا) أنّ (لا) إن لزمته ... على كثرة الواشين، أيّ معون(٥)
  فجعل (لا) اسم (إن). وجوزوا فيه الرفع. أعني في البخل. أي: أبى جوده (لا). أي: المأبي البخل. وجوزوا زيادة (لا). أي: أبى جوده البخل، كما قال تعالى: {ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ
(١) ٣٧: سورة الصافات ٤٧.
(٢) البيت من مجزوء الكامل، لسعد بن مالك القيسي. في: الكتاب ١: ٥٨، وفيه: من فر والتحصيل ٨٠، وديوان الحماسة ١: ١٩٣، والخزانة ١: ٤٦٧، ٢: ١٧٢، ٤: ٣٩، والتاج (برح) ٦: ٣٠٨.
وبلا نسبة في المقتضب ٤: ٣٦٠، والإنصاف ١: ٣٦٧، والمشكل ١: ٣٦٧، وابن يعيش ١: ١٠٨.
(٣) البيت من البسيط، لأبي الطفيل عامر بن وائلة الصحابي. في الكتاب ٢: ٣٠٣، والتحصيل ٣٤٨، وشفاء العليل ٢: ٧١٧، والخزانة ٤: ٣٩، ٤٠، ٤١.
(٤) البيت من الطويل، بلا نسبة في: معاني القرآن - للأخفش ٢: ٢٩٤، وفيه: الجوع، بدل: الجود والخصائص ٢: ٣٥، والمغني ١: ٢٤٨.
(٥) البيت من الطويل، لجميل بثينة، في: ديوانه ٩٤، واللسان (أيا) ١٤: ٥٩، وبلا نسبة في: معاني القرآن - للفراء ٢: ١٥٢، والخصائص ٣: ٢١٢، وشافية ابن الحاجب ١: ١٦٨، وشفاء العليل ٢: ٨٦٧.