كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب لا، في النفي

صفحة 171 - الجزء 1

  وإن لم يجز: لا رجلا. فأما قوله: مثل مروان، فإن رفعت، كان وصفا للاسمين. وإن نصبت كان وصفا لأحد الاسمين، ولا يكون لهما، لاختلاف حكميهما. واعلم أن (لا) إذا وصف اسمه جاز في وصفه ثلاثة أوجه:

  [الأول]: لا رجل ظريف عندك، بترك التنوين.

  [الثاني]: لا رجل ظريفا، بالتنوين.

  [الثالث]: لا رجل ظريف، على الموضع. والتنوين في الصفة مثلها في المعطوف، لما لم يل (لا). وإذا كان الاسم مضافا، أو مشابها للمضاف، انتصب بعد (لا) انتصابا صحيحا. تقول: لا غلام رجل عندك، ولا خيرا من زيد في الدار. ألا ترى أنه، لو لم ينتصب، انتصابا صحيحا لم ينوّن قولك: لا خيرا من زيد. فلما نوّن علم أن انتصابه صحيح، وأنه ليس كالمفرد في قولك: لا رجل في الدار. وإذا كان كذلك، فقوله تعالى: {قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ}⁣(⁣١) لم ينتصب قوله (اليوم) بنفس عاصم، لأنه لو انتصب به، لصار قوله (عاصم) عاملا فيه. وإذا عمل فيه أشبه قولك: لا خيرا من زيد. ولو أشبهه لكان مثله. ولو كان مثله، وجب تنوينه. وفي إجماع الأمة على أنه غير منون، دليل على أن (اليوم) لا يتعلق بعاصم، إذ لم ينون. وإن قلت: فبماذا يتعلق إذن؟ فذاك كلام آخر. والمقصود أن يتعين، أنه ليس بمعمول لعاصم، كما أن قوله: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ}⁣(⁣٢) وقوله: {لا رَيْبَ فِيهِ}⁣(⁣٣) وقوله: {لا بَيْعٌ فِيهِ}⁣(⁣٤) وقوله: {وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ}⁣(⁣٥) وما أشبه ذا من كلامهم نحو قولهم: (لا خير بخير بعده النّار ولا شرّ بشرّ بعده الجنّة ولا آمر بالمعروف يوم الجمعة)⁣(⁣٦).

  لا يتعلق شيء من هذه الأشياء، بما عمل فيه (لا) لأنها غير منونة⁣(⁣٧)، بخلاف ما يقوله بعض البغداديين. ألا ترى أن في تعليق ذلك به، إيجاب التنوين، لأنها مشابهة للمضاف، من حيث كان عاملا فيما بعده، كما أن المضاف عامل فيما بعده، وإن اختلف العمل.

  فاليوم متعلق بالخبر. والخبر، قوله: (من أمر الله). والتقدير [٥٥ / ب]: لا عاصم كائن من أمر الله اليوم. ولا يكون اليوم الخبر: و (من أمر الله) متعلق به، لأن ذاك يوجب جواز: زيد يوم الجمعة. ولا فائدة في ذلك، لما أعلمتكه في بابه. ولا يجوز أيضا أن يتعلق اليوم بالمصدر الذي هو: أمر الله، لأن ما في صلة المصدر لا يتقدم عليه.

  [قال أبو الفتح]: وتثنّي بالنون، فتقول: لا غلامين لك، ولا جاريتين. إنما قال ذلك، لأن الواحد غير منون. وقد ذكر في باب التثنية أن النون عوض من الحركة والتنوين اللتين كانتا في


(١) ١١: سورة هود ٤٣.

(٢) ١٢: سورة يوسف ٩٢.

(٣) ٢: سورة البقرة ٢.

(٤) ٢: سورة البقرة ٢٥٤.

(٥) ٢: سورة البقرة ١٩٧.

(٦) همع الهوامع ٢: ١٢٨، وفيه: (لا خير بخير بعده النار).

(٧) الكتاب ٢: ٢٨٧ (الهامش ٣) (ه).