كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب المفعول المطلق، وهو المصدر

صفحة 172 - الجزء 1

  الواحد، فقال هاهنا: إنّ النون تثبت في التثنية، وإن لم يكن في الواحد تنوين، كما ثبت في تثنية قولهم: الرجل والرجلان. ولم يكن في المفرد تنوين، لأن ضرب التثنية ضرب واحد، فلا يختلف، وإن كان الأصل أن يكون بدلا منهما، وقد يكون بدلا من أحدهما، كما تقدم في بابه. وزعم⁣(⁣١) أن يونس، سمع العرب تقول: لا يدي بها لك. فحذفوا النون من التثنية، مع الفصل بين الكاف، والاسم، فأجازوا على ذلك: لا غلامي لك⁣(⁣٢) فقدروا زيادة اللام. وكأنه قيل: لا غلاميك.

  فجاؤوا باللام، لأن اللام تؤكد الإضافة⁣(⁣٣). وقد قالوا: لا أبالك. فهذه اللام تقدر زيادتها من وجه، وإثباتها من وجه. فمن حيث عمل (لا) في أب، كانت اللام ثابتة، حتى لا يكون داخلا فيه، إلا على تقدير: لا أب لك.

  وزعم المبرد، أنه لا يجوز: لا غلامين⁣(⁣٤)، بالتثنية. قال: لأن الواحد مبني، فلا يصح فيه التثنية، لأن الياء حرف إعراب. وقد ذكرنا أن يونس حكى عنهم: لا يدي بها، لك. أي: لا طاقة بها لك. والسماع لا يردّ، ولا سيما القياس يعتمده. وذلك، لأن مذهب سيبويه، أن الفتحة في قولك: لا رجل في الدار، فتحة إعراب⁣(⁣٥)، وليس بفتحة بناء، والدليل عليه: لا غلام في الدار، وجارية، بالتنوين. فثبات التنوين في الثاني دليل على أن الأول [٥٦ / أ] معرب. وإذا كان معربا جاز تثنيته.

  [فإن قلت]: فكيف زعمت ذلك، وسيبويه قال: لا رجل، بمنزلة: خمسة عشر⁣(⁣٦)؟.

  [قلت]: ذلك يريد به، أنه كما لا تفارق خمسة من عشر، لم تفارق (لا) من (رجل). ولم يعن أن الحركة حركة البناء. وقولهم: لا يدي بها لك، ولا يدي اليوم لك، عند سيبويه، كلاهما يجوز في الشعر. لا يجيز سيبويه الفصل بين المضاف والمضاف إليه، بما يتم الكلام به، وبما لا يتم⁣(⁣٧). ويونس يجيز الفصل بما لا يتم الكلام به، نحو: لا يدي بها لك. ولا يجيز: لا يدي اليوم لك. قال: لأن ما لا يتم به الكلام، يعلم منه احتياج الأول إلى الثاني. فجاز الفصل به، وكلاهما عند سيبويه شاذ⁣(⁣٨).

  ولما فرغ من ذكر المرفوعات، أخذ يبين أقسام المنصوبات. وقسمها قسمين: مفعول، ومشبه. ثم المفعول خمسة أقسام، فقال: مفعول مطلق، ومفعول به، ومفعول فيه، ومفعول له، ومفعول معه.

باب المفعول المطلق، وهو المصدر

  [قال أبو الفتح]: اعلم أن المصدر: كل اسم دل على حدث، وزمان مجهول. وهو وفعله،


(١) أي: سيبويه. الكتاب ٢: ٢٧٩، فيه: (قبح أن تقول: لا يدى بها لك ..... وإثبات النون أحسن).

(٢) الكتاب ٢: ٢٧٦.

(٣) الكتاب ٢: ٢٧٧.

(٤) المقتضب ٤: ٣٦٦، والمغني ١: ٢٣٨.

(٥) الكتاب ٢: ٢٧٤.

(٦) الكتاب ٢: ٢٧٤.

(٧) الكتاب ٢: ٢٧٦.

(٨) الكتاب ٢: ٢٧٩.