كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب ظرف المكان

صفحة 198 - الجزء 1

  ذات [٦٩ / ب] ثوائكم⁣(⁣١). وإذا تتبعت، فليكن هكذا.

باب ظرف المكان

  [قال أبو الفتح]: المكان: ما استقرّ فيه، أو تصرّف عليه. وإنما الظرف منه: ما كان مبهما غير مختص، مما في الفعل، دلالة عليه. والمبهم: ما لم يكن له أقطار تحصره، ولا نهايات تحيط به.

  نحو: خلفك، وأمامك، وقدامك، ووراءك، وتلقاءك، وتجاهك، وقربك، وقريبا منك، وصددك، وصقبك.

  [قلت]: إنما يتعدى الفعل إلى ظرف المكان المبهم، دون المختص، بلا واسطة جار، لأنه يقتضيه، كما يقتضي الزمان من جهة الصيغة، يقتضي المكان من جهة المعنى.

  والمبهم: هي الأقطار الستة: خلفك، وقدامك، وتحتك، وفوقك، ويمينك، وشمالك.

  وما ذكر⁣(⁣٢) من سوى هذه الألفاظ الستة، فإنها في الحقيقة، ليست بمبهمة إبهام هذه الستة، ولكنها مشبّهة بهذه الستة في وجه من الوجوه. أو فيها بعض الإبهام. فإذا قلت: أنا قريبا منك، بالنصب، فمعناه: أنا مكانا قريبا منك. ف (قريب) صفة لمكان. وإذا قلت: أنا قريب منك، بالرفع، ف (قريب) هو الأول، وهو اسم الفاعل. وكذلك قوله تعالى: {وَواعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ}⁣(⁣٣) هو منصوب على الظرف، وإن كان خارجا من هذه الستة، لكنه مبهم بعض الإبهام.

  والجملة في هذا كله، أنّ اسم المكان، إذا كان مبهما، كان ظرفا. وإذا لم يكن مبهما، لم يكن منصوبا بالفعل الواقع قبله. وإنما يتعدى إليه الفعل بحرف الجر. فقولك: قعدت في المسجد، لا يجوز فيه: قعدت المسجد، ولا قعدت السوق. لا بد من الجار، لأن هذه الأسماء المخصوصة، أعني: أسماء الأمكنة، عندهم، بمنزلة الآدميين، من حيث إنّ لها أشباحا، وصورا.

  فكما لا تقول: مررت زيدا. وتعدّي (مررت) إلى زيد، حتى تجيء بالباء، إذ ليس في لفظ (قعدت) ما يدل على المسجد، دون غيره، حتى تقول: في المسجد، كما قلت: بزيد هناك. وإذا [٧٠ / أ] ثبت هذا، فما جاء من غير المبهمة منصوبة على الظرف، فإنه عند سيبويه⁣(⁣٤) بإضمار الجار. فقولهم: أنت مني مناط الثريا. وأنت مني معقد الإزار، ومزجر الكلب. [وقول الشاعر]:

  ١٧٣ - فوردن، والعيّوق مقعد رابئ (م) الضّرباء، فوق النّجم، لا يتتلّع⁣(⁣٥)


(١) مجمع البيان ٤: ٣٦٥، إذ نقل الطبرسي في تفسيره فحوى كلام جامع العلوم.

(٢) أي: أبو الفتح.

(٣) ٢٠: سورة طه ٨٠.

(٤) الكتاب ١: ٤١٢، ٤١٣، ٤١٤.

(٥) البيت من الكامل، لأبي ذؤيب الهذلي، في: ديوان الهذليين ١: ١٩، والمفضليات ٤٢٤، وفيها: فوق النظم، بدل: فوق النجم، والكتاب ١: ٤١٣، وابن يعيش ١: ٤١، واللسان (ضرب) ١: ٥٤٨، وفيه: خلف النجم، والخزانة ١: ٤١٨، ٤٢١، والتاج (ضرب) ٣: ٢٤٦.

وبلا نسبة في: المقتضب ٤: ٣٤٤.

الضرباء: جمع ضريب: الذي يضرب بالقداح. التاج (ضرب) ٣: ٢٤٦.