كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب المفعول له

صفحة 200 - الجزء 1

  أَهْلِكَ}⁣(⁣١) وقوله # [٧٠ / ب]: " سلمان منا"⁣(⁣٢). أي مخالطنا، وملابسنا. وإذا قلت:

  أنت مني، ومعناه: أنت ملابس لي؛ كان دليل على ما دمنا نسير. لأنه إذا كان ملابسا له؛ كان يسير معه مادام معه. فإذا لم يكن يلابسه؛ لم يسر معه. فأنت: مبتدأ. ومني: خبره. وفرسخين، قائم مقام مضاف في الحقيقة. وتقديره: أنت مني ملابس لي مسير فرسخين. فهذا حقيقة هذا الكلام.

  وتقول: عهدي به قريبا، وحديثا، وقديما؛ بالرفع، والنصب. فالنصب على الظرف، أي: زمانا قريبا، وحديثا. والرفع على أن يكون الثاني هو الأول.

  وقولك: زيد خلفك. تقديره: زيد مستقرّ خلفك. لا بد من هذا الإضمار؛ لأن المنصوب لا بد له من ناصب. وقد فسرت هذا في باب خبر المبتدأ تفسيرا مقنعا لا يحتاج إلى الإعادة.

باب المفعول له

  [قال أبو الفتح]: اعلم أنّ المفعول له، لا يكون إلا مصدرا. ويكون العامل فيه فعل من غير لفظه. وإنما يذكر المفعول له؛ لأنه عذر، وعلة؛ لوقوع الفعل قبله تقول: زرتك طمعا في برك.

  وقصدتك ابتغاء لمعروفك. أي: زرتك للطمع، وقصدتك لابتغاء المعروف. قال الله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ}⁣(⁣٣). أي: لحذر الموت. [قال الشاعر]:

  ١٧٦ - وأغفر عوراء الكريم، ادخاره ... وأعرض عن شتم اللئيم، تكرّما⁣(⁣٤)

  أي: لادخاره، وللتكرم فلما حذف اللام منه، نصبه بالفعل الذي قبله.

  [قلت]: المفعول له: مصدر لعلة وقوع الفعل قبله، وسبب في إيجاده. وهو في الحقيقة جواب (لم). وذلك؛ لأن القائل إذا قال: جئتك؛ كأنه قيل: لم جئت؟. فقال: لطمع في برك.

  فحذفت اللام⁣(⁣٥)، فأفضى الفعل إلى ما بعده، فنصبه. وقد يكون هذا المصدر معرفة، ونكرة؛ خلافا لأبي عمر⁣(⁣٦)؛ فإنه لم يجز فيه إلا النكرة. وقوله تعالى: {حَذَرَ الْمَوْتِ} حجة عليه،


(١) ١١: سورة هود ٤٦.

(٢) المعجم الكبير - للطبراني ٦: ١١٣، ونزهة الألباء ٢٨٢، وسلمان: هو أبو عبد الله، سلمان الفارسي، ويعرف بسليمان الخير (ت ٣٥ هـ). مولى رسول الله - سئل عن نسبه فقال: أنا سلمان بن الإسلام، أصله من فارس، أول مشاهده مع رسول الله - الخندق، آخى رسول الله بينه وبين أبي الدرداء. ينظر: أسد الغابة في معرفة الصحابة ٢: ٤١٧ - ٤٢١.

(٣) ٢: سورة البقرة ١٩.

(٤) البيت من الطويل، لحاتم الطائي، في: ديوانه ٧٢، والكتاب ١: ٣٨٦ و ٣: ١٢٦، وفيه: وأصفح عن، والتحصيل ٢٢٢، وشرح اللمع - لابن برهان ١: ١٢٦، والمشكل ١: ٤٤٤، وابن يعيش ٢: ٥٤، والخزانة ٣: ١١٥، ١٢٢، ١٢٣، ١٢٤، وفيها: اصطناعه، بدل ادخاره، واللسان (عور) ٤: ٦١٥.

وبلا نسبة في: المقتضب ٢: ٣٤٨، ومعاني القرآن - للأخفش ١: ١٦٧.

(٥) الكتاب ٣: ١٢٦.

(٦) أي: الجرمي