كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب المفعول معه

صفحة 202 - الجزء 1

  وعدّت: (صنعت) و (قمت) إلى المنصوب؛ كما عدّت الباء (مررت) إلى زيد، وعدّت (إلّا) قام القوم إلى الاسم الذي بعده. وإذا كان كذلك، فقول أبي إسحاق إن قولهم: ما صنعت وأباك: منصوب بفعل مضمر، على تقدير: ما صنعت ولا بست أباك: قول فاسد. لأن انتصاب الاسم إذا أمكن حمله على الظاهر، لا يحمل على المضمر. وقول الأخفش: إنّ انتصاب الاسم إنما هو بحذف (مع) وإقامة الواو مقامه؛ باطل بقوله: كل رجل وضيعته، وأنت أعلم ومالك. فإن هذا، ونحوه: الواو فيها بمعنى (مع) والاسم غير منصوب. فثبت قول سيبويه⁣(⁣١). وإنّ الاسم منصوب بالفعل الواقع قبله بتقوية الواو. وإنما نصب الاسم في قولك: قمت وزيدا، ولم يرفع بالحمل على التاء. لأن التاء فاعل. وقد جرى من الفعل مجرى أحد أجزائه؛ فلم يحسن العطف عليه، كما لا يحسن العطف على نفس الفعل؛ ولأنه لو عطف على الأول بالواو لم يفهم منه من معنى المصاحبة ما فهم منه الآن. لأن الواو للشركة، والجمع دون القران. فقولك: قمت وزيدا يراد منه المصاحبة والقران. وكذلك: جاء البرد والطيالسة، يراد: القران والمصاحبة، دون محضية الجمع.

  وقولهم: استوى الماء والخشبة: يراد منهما تساويهما، دون الجمع والشركة المجردة من القران.

  وكذلك ما زلت أسير والنيل، على هذا.

  فإن قلت: فإنّ (استوى) يقتضي فاعلين. كقولك استوى زيد وعمرو، وليس في قولك: استوى الماء والخشبة، فاعلان، فإنّ استوى قد جاء، ولا يكون مسندا إلى فاعلين. قال الله تعالى {الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى} (٥)⁣(⁣٢) وقال {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى ٦ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى} (٧)⁣(⁣٣) ولا أجعل الواو، في قوله: (وهو) عطفا على الضمير في (استوى) لأنه لم يؤكده، ولم يقل {ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى} (٦) هو، حتى يجيء: {وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى} (٧) على أنّ قولهم: استوى الماء والخشبة محمول على المعنى من تساويهما، كما قالوا: حسبك ينم الناس. فجزموا (ينم) لما كان (حسبك) بمعنى: اكتف. فكذا، هاهنا.

  وقد جاء المفعول معه في أشياء غير هذا. قالوا [٧٢ / أ] ما شأنك وزيدا؛ أي مع زيد. أي، ما شأنك مع زيد على تقدير: ما شأنك ملابسا زيدا؛ فهو منصوب بمضمر. وقالوا: ما أنت وزيدا؛ أي: مع زيد. و: كيف أنت وزيدا. قال⁣(⁣٤): لأن التقدير: ما كنت وزيدا، وكيف كنت وزيدا؛ فكثر استعمال (كان) هناك فأضمروه. [قال الشاعر]

  ١٨٠ - فما أنا، والسير في متلف ... يبرّح بالذكر الضابط⁣(⁣٥)

  وإنما نصب: ما شأنك وزيدا، لأنك لو عطفت، وجررت؛ كنت عطفت المظهر على


(١) الكتاب ١: ٣٩٣. ونصبه" قولك: كل رجل، وضيعته، (الواو) في معنى: مع".

(٢) ٢٠: سورة طه ٥.

(٣) ٥٣: سورة النجم ٦، ٧.

(٤) يعني: سيبويه. الكتاب ١: ٣٠٢، ٣٠٣.

(٥) البيت من المتقارب، لأسامة بن الحارث، الهذلي، في ديوان الهذليين ٢: ١٩٥، والتحصيل ١٩٦، وابن يعيش ٢: ٥٢، واللسان (عبر) ٤: ٥٣٢.