كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب المفعول معه

صفحة 203 - الجزء 1

  المضمر المجرور. وذا عندنا باطل. وستراه إن شاء الله.

  وقالوا: إنّك ما وخيرا؛ أي: إنك مع خير. ف (ما) صلة، والخبر مستغنى عنه؛ لطول الكلام، ولكون الواو بمعنى مع، كقولهم: كلّ رجل وضيعته. على تقدير: كل رجل وضيعته مقرونان.

  ويجوز أن يكون قوله (وضيعته) في موضوع الخبر. على تقدير كل رجل مع ضيعته. أي: كائن مع ضيعته. فأمّا قوله تعالى {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً} ف (المصدقين): اسم (إنّ). ولا تكون (والمصدقات) عطفا عليه؛ لأن قوله {وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً}⁣(⁣١): معطوف على ما في الصلة. والتقدير: إن الذين تصدقوا، وأقرضوا الله. أو: إن الذين صدّقوا وأقرضوا الله.

  وإذا كان على هذا التقدير؛ لم يجز عطف (والمصدقات) على (المصدقين) لأنه يكون فصلا بين بعض الصلة، وبعضها. وما كان معطوفا، كان في الصلة؛ فلا يعطف على الموصول، وقد بقي من صلته شيء. ألا ترى أنّ قوله تعالى {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ}⁣(⁣٢). لا يكون منصوبا بالعطف على قوله: {ذَوِي الْقُرْبى} من قوله {وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى}⁣(⁣٣)؛ لأنه لو كان معطوفا عليه كان منصوبا ب (أتى) و (أتى) معطوفة على (من آمن) من قوله {مَنْ آمَنَ بِاللهِ} فلا يجوز حينئذ أن يكون قوله {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ} معطوفا على {مَنْ آمَنَ بِاللهِ} لأن المعطوف على الصلة في الصلة؛ فلا يعطف على الموصول، وقد بقي من صلته [٧٢ / ب] شيء. فكذا لا يكون: {أَقْرَضُوا اللهَ} في تقدير العطف على الصلة، وقد عطفت {الْمُصَّدِّقاتِ} على الموصول.

  فإذن، الواو بمعنى: مع والتقدير: إنّ المصدقين مع المصدقات في نيل الثواب، والجنة والغفران.

  وإن زعمت أنّ (المصدقات) معطوف على (المصدقين) وقوله: (واقرضوا الله): جملة، ليست بمعطوفة على الصلة؛ ولكن جملة، اعتراض بين الخبر، والمخبر عنه؛ لأنه يسدده، ويوضحه.

  [قال الشاعر]

  ١٨١ - إن ترفقي، يا هند فالرفق أيمن ... وإن تخرقي، يا هند، فالخرق أشام

  فأنت طلاق، والطلاق عزيمة ... ثلاثا. ومن يخرق أعقّ، وأظلم⁣(⁣٤)

  ألا ترى أنّ (ثلاثا) منصوبة، بقوله: فأنت طلاق. على تقدير: طالق ثلاث مرات لقوله {الطَّلاقُ مَرَّتانِ}⁣(⁣٥). أو على المصدر على تقدير: فأنت طلاق ثلاث طلقات. وعلى الوجهين،


(١) ٥٧ سورة الحديد ١٨.

(٢) ٢: سورة البقرة ١٧٧.

(٣) ٢: سورة البقرة ١٧٧.

(٤) البيتان من الطويل، بلا نسبة في: ابن يعيش ١: ١٢، والخزانة ٣: ٤٦٠، ٤٦١، ٤٦٨، ٤٥٩، ٩: ٦٦، وفيها: إليه، بدل: عزيمة

(٥) ٢: سورة البقرة: ٢٢٩.