كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب التمييز

صفحة 209 - الجزء 1

  وفتية: رفع، خبر: أول ما. والتقدير: الحرب أول أحواله فتية، على قولهم: شعر شاعر، وموت مائت.

باب التمييز

  [قال أبو الفتح]: والتمييز: تخليص الأجناس، بعضها من بعض. ولفظ التمييز: اسم نكرة، يأتي بعد الكلام التام، يراد به الجنس.

  [قلت]: شرط التمييز: أن يكون مفسّرا لمبهم، وأن يكون نكرة، وأن يصلح فيه إظهار (من) معه. وهو على ضربين: أحدهما: أن يكون بعد تمام الكلام. والآخر: أن يكون بعد تمام الاسم. ومعنى قولي: بعد تمام الكلام: أن يكون الفعل أخذ فاعله. وهذا، أيضا، على ضربين: أحدهما: أن يكون الاسم المنصوب على التمييز يصلح أن يكون فاعلا في اللفظ، والمعنى. كقولك: طاب زيد نفسا. ألا ترى أنك، لو قلت: طابت نفس زيد، جاز. وإنما نصب قولك: نفسا، على التمييز، تشبيها بالمفعول به، لأنك، لما نقلت الفعل، وهو: طاب عن الفاعل، وهو: النفس، إلى ما هو بسبب منه، وهو: زيد، فقلت: طاب زيد، لم يمكنك رفع نفس. لأن الفعل أخذ فاعله، فنصب (نفس) على التمييز، لما جاء بعد الفعل والفاعل، مجيء المفعول بعدهما. والثاني: أن يكون المنصوب على التمييز فاعلا في المعنى دون اللفظ. كقوله: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} وامتلأ الحوض ماءا. ألا ترى أن الماء هو الشاغل للحوض، والشيب [٧٦ / أ] هو المعمّم للرأس. ولو قيل: امتلأ الماء. واشتعل الشيب، لم يصلح. فالتمييز: تفسير للمبهم. وهو: نكرة يصلح معه (من). وإذا كان كذلك، فقوله تعالى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ}⁣(⁣١)، لا يجوز أن يكون انتصاب (نفسه) على التمييز، لأنه معرفة. وقد ذكرنا أنه ينبغي أن يكون نكرة. فإذن، انتصاب (نفسه) في الآية، ليس على التمييز، وإنما هو بنزع الخافض. والتقدير: إلا من سفه في نفسه، فحذف (في). أو يكون (سفه) بمعنى: سفّه. أو يكون (سفه) محمولا على نظيره، وهو: جهل. فالتمييز: نكرة يصلح معه (من).

  فقولهم: أنت طالق ثلاثا، لا يكون انتصابه على التمييز، لأنك، لو قلت: أنت طالق الثلاث، جاز.

  فالتمييز لا يكون معرفة. ولأنك، لو قلت: أنت طالق من ثلاث، لم يكن له معنى. فلما لم يحسن في ثلاث (من) وجاز تعريفه، ثبت أن انتصابه لا على التمييز ولكن على الظرف، على تقدير: أنت طالق ثلاث مرات. أو على المصدر، على تقدير: أنت طالق ثلاث طلقات.

  فالتمييز: نكرة بمنزلة الحال. فكما أن الحال تكون نكرة، فكذا التمييز. وقولهم: القوم فيهم الجمّاء الغفير. وأرسلها العراك. ومررت به وحده. يكون الألف واللام فيه زيادة، ليست للتعريف، كما زادوها في (الآن) و (الذي). وأرسلها العراك: مصدر، في تقدير: أرسلها تعترك العراك. ف (تعترك) هو الحال، لا (العراك) وإنما (العراك) مصدر. والمصدر يجوز أن يكون معرفة، ونكرة.


(١) الكتاب: ١/ ٣٧٥.