كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب حروف الجر

صفحة 231 - الجزء 1

  الجر صفة لرجل. والجار، والمجرور في موضع النصب ب (أكرمته). كما أن الجار، والمجرور [٨٧ / ب] في قوله تعالى: {فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ}⁣(⁣١)، في تقدير: مرسلا إلى فرعون وملئه، فكذا هاهنا. وأما قول [الشاعر]:

  ٢٢١ - ربّ رفد هرقته ذلك اليوم ... وأسرى من معشر أقتال⁣(⁣٢)

  ف (أسرى) موصوف بقوله: من معشر. وفي (معشر) ضمير انتقل إليه من المحذوف، لأن (أسرى) معطوف على (رفد). فكما أن النكرة المجرورة ب (رب) تلزمه الصفة، فكذا، ما عطف عليه في حكمه. وتلزم (رب) صدر الكلام، ولا يجوز تقديم ما عمل فيه عليه، لأنه يشبه حرف النفي، لما يتضمنه من التقليل. ويدخل على (رب) الهاء، فيفسر بمفرد، كقولك: ربه رجلا. وهذه الهاء فسّر بهذا المفرد، كما فسر بالمفرد، في (نعم) في: نعم رجلا زيد. ويدخل على رب (ما) ويكفه عن العمل في الاسم، كقولك: ربما قال ذاك. قال الله تعالى: {رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ} (٢)⁣(⁣٣). ف (ما) كافة، هاهنا، كفت (رب) عن العمل في الاسم. وليس كما زعم من زعم، من غير تصريح باسمه⁣(⁣٤)، إجلالا له: أنّ (ما) مصدرية، وأنه مع الفعل بتأويل المصدر، وأنه في موضع الجر ب (رب) لأنه قد قال خلاف ذلك، في موضع آخر وفي ذكر هذا خلاف للإجماع، لأنهم أجمعوا أن (ما) تدخل على (رب) فتكفه عن العمل. [قال الشاعر]:

  ٢٢٢ - ربّما تكره النفوس من الأمر، ... له فرجة، كحلّ العقال⁣(⁣٥)

  [وقال الآخر]:

  ٢٢٣ - ربّما أوفيت في علم ... ترفعن ثوبي شمالات⁣(⁣٦)

  وتقدير المصدر في هذه المواضع، ممتنع. فافهمه.

  وأما الباء، فحرف جر، وقد تقدم ذكرنا له، وفي تحريكه، وأقسامه، وكذا اللام في باب البناء، في أول الكتاب.

  وأما الكاف، فعلى ضربين: يكون حرفا، ويكون اسما. فأما كونه حرفا، فكقولك: جاءني الذي كزيد. فالكاف، هاهنا: حرف، لأنه صلة الذي. ولو كان الكاف اسما، لجاز: جاءني الذي


(١) ٢٨: سورة القصص ٣٢.

(٢) البيت من الخفيف، للأعشى، في: ديوانه ١٣، والمقتصد ٢: ٨٣١، والأمالي ١: ٩٠، ٢: ٧، وابن يعيش ٨: ٢٨، والخزانة ٩: ٥٧٥، ٥٧٦.

الرفد: القدح. أقتال: جمع قتل، بكسر القاف، وهو العدو.

(٣) ١٥: سورة الحجر ٢.

(٤) لم أهتد إلى معرفته.

(٥) البيت من الخفيف، لأمية من أبي الصلت. في: ديوانه ٣٦٠، والكتاب ٢: ١٠٩، ٣١٥، والتحصيل ٢٧٦، والخزانة ٦: ١٠٨، ١١٣، ١١٥، ١١٩، ١٠: ٩.

وبلا نسبة في: المقتضب ١: ٤٢، وابن يعيش ٢: ٤، والأشموني ١: ١٦٤، وشرح شذور الذهب ١٣٢.

(٦) البيت من المديد، لجذيمة الأبرش. في: الكتاب ٣: ٥١٨، والتحصيل ٥١٩، والخزانة ١١: ٤٠٤.

وبلا نسبة في: المقتضب ٣: ١٥، وابن يعيش ٩: ٤٠، وهمع الهوامع ٤: ٢٣٠، ٤٠١.