باب مذ ومنذ
  مثل زيد، وهذا لا يجوز، لأن (مثلا) مفرد. والذي: لا يوصل بمفرد، وإنما يوصل بجملة، أو بظرف، فقولك: كزيد، في حكم الظرف، لأنه جار ومجرور، وكونه اسما، [قول الشاعر]: [٨٨ / أ]
  ٢٢٤ - وصاليات، ككما يؤثفين ... ... (١)
  فالكاف الثانية: اسم. لأن الأولى دخلت عليه. وتكون الكاف زائدة، كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}(٢). فالكاف زائدة على كل حال، لأن المعنى: ليس مثله شيء. ولو كان غير زائدة. لكان المعنى: ليس مثل مثله شيء. وهذا كفر، تعالى عما يقول الظالمون علو كبيرا. وقول [الشاعر]:
  ٢٢٥ - لواحق الأقراب فيها كالمقق(٣)
  أي: فيها المقق. وليس التقدير: فيها شيء كالمقق، لأن معناه: فيها طول، أي: هي طويلة.
  [قلت]: وتقول: ما زيد كعمرو، ولا شبيه به، ولا شبيها به. فإذا جررت، صار التقدير: ما زيد كعمرو، ولا كرجل شبيه به، فاثبتّ له شبيها، ونفيت الشبه عن ذلك الشبيه. وإذا نصبت، نفيت عن زيد التشبيه، لأنه محمول على موضع الجار والمجرور. وكأنك قلت: ما زيد مثل عمرو، ولا زيد شبيها بعمرو فافهمه. فلو لم يكن فيه إلا هذا لكان كافيا.
باب مذ ومنذ
  [قال أبو الفتح]: اعلم أن كل واحدة منهما، يصلح أن يكون اسما رافعا، وأن يكون حرفا جارا. والأغلب على (مذ) أن يكون اسما رافعا. والأغلب على (منذ) أن يكون حرفا جارا. فإذا كان معنى الكلام: بيني وبينه كذا، فارفع بهما. تقول: ما رأيته مذ يومان، و: ما زارنا منذ ليلتان.
  وتقول: أنت عندنا مذ اليوم. و: ما فارقتنا منذ الليلة، فتجر، لأن معناه: في اليوم، والليلة.
  [قلت]: اعلم أن (منذ) و (مذ) ابتداء غاية، في الأزمنة، بمنزلة: (من) في الأمكنة. فلا يجوز (من) في الزمان، كما لا يجوز (مذ) في المكان. لا تقول: جئتك مذ بغداد، كما لا تقول: جئت من اليوم. فهذا للزمان، خاصة، كما أن ذلك للمكان.
  [فإن قلت]: فقد قال الله تعالى: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ}(٤)، فأدخل (من) على قوله: (أول)، وهو (أفعل) مضاف إلى (يوم). وأفعل، أبدا، بعض ما أضيف إليه. فهو زمان، فأدخل عليه (من). وهو خلاف قولك. [وقال الشاعر]:
(١) عجز بيت من السريع، سبق ذكره رقم (٧)
(٢) ٤٢: سورة الشورى ١١.
(٣) من الرجز، لرؤبة، وقبله في: قب من التعداء حقب في سوق وهو في: ديوانه ١٠٦، وابن عقيل ٢: ٢٦، والخزانة ١٠: ١٧٧، ١٨٤.
وبلا نسبة في: المقتضب ٤: ٤١٨، والإنصاف ١: ٢٩٩.
(٤) ٩: سورة التوبة ١٠٨.