كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب مذ ومنذ

صفحة 233 - الجزء 1

  ٢٢٦ - لمن الدّيار بقنّة الحجر ... أقوين من حجج، ومن دهر⁣(⁣١)

  فحجج: سنون، وهو زمان [٨٨ / ب]، فأدخل (من) عليه.

  [الجواب]: أما الآية، فتقديره: من تأسيس أول يوم. فحذف المصدر في اللفظ، وهو مراد في المعنى. و (من) داخل على ذلك المصدر. وكذا البيت:

  ... أقوين من حجج، ومن دهر

  أي: من مرّحجج، فحذف المضاف في اللفظ، وهو مراد في المعنى. والشيء يحذف في اللفظ، ويقدر في المعنى. ألا ترى أنه [قال الشاعر]:

  ٢٢٧ - أكلّ امرئ تحسبين امرءا ... ونار، توقّد بالليل نارا⁣(⁣٢)

  وتقديره: وكلّ نار. فحذف في اللفظ، وهو مراد في المعنى. لو لا ذلك، لم يجز جر نار، إذ [مر]⁣(⁣٣) هناك. ولا يحمل على امرئ، في قوله: أكلّ امرئ، لأنه لا يجيز العطف على عاملين.

  وفي حمله على امرئ: عطف على عاملين، وكنا قديما ذكرنا ذلك.

  ف (منذ) و (مذ) للأزمنة، وإنما كان (مذ) أكثره مرفوعا ما بعده، لأنه محذوف من (منذ).

  والحذف في الأسماء أكثر منه في الحروف. ألا ترى أنّ مثل: إن في: إنّ. وكأن وريديه في: كأنّ.

  ورب، في: ربّ. وربما، في: (ربما يودّ الذين كفروا)، ليس مثل: أب، ودم، وغد، وعصا، ورحى، وفريزد، وفرازد. ومذ ومنذ، إذا كانا اسمين كانا مرفوعين بالابتداء، وما بعدهما: الخبر.

  فإذا قلت: لم أره مذ يومان، فالكلام: جملتان: إحداهما: لم أره، جملة من فعل وفاعل. ومذ يومان: مبتدأ، وخبر، فهي جملة ثانية. وإذا كانا حرفين، كانا جارين. فقولك: أنت عندنا مذ اليوم. أنت: مبتدأ. وعندنا: في موضع الخبر. ومذ اليوم: معمول (عندنا) يتعلق بالظرف. والتقدير: أنت مستقر عندنا في اليوم، أو: من اليوم. فكما أن قولك: في اليوم، لو ظهر كان معمولا للظرف، ولم يكن جملة، فكذا هاهنا، لأنه بمنزلته، وإذا كانا اسمين، كانا يدلان على معنيين: أحدهما: انتظام أول الوقت، وآخره، كقولك: لم أره مذ يومان. أي: بيني وبينه هذا المقدار. فإذا كان كذلك، كان ما بعدهما [٨٩ / أ] مبهمين دالين على العدد، لا يجوز التوقيت، مكان ذلك، لأنك إذا قلت لم أره، كأنه قيل لك: كم ذلك؟. فقلت: يومان. فكما أنّ جواب كم: مبهم معدود غير محصور، فكذا ها هنا. وكذلك، لو قال، هاهنا: لم أره منذ جمعة، جاز، لأنّ الجمعة معدودة.

  والمعنى الثاني، في رفع ما بعدهما: أن يدل على أول الوقت، حسب. وإذا كان كذلك، كان ما بعدهما، مؤقتين. تقول: لم أره منذ يوم الجمعة، ومنذ يوم السبت، فيدل هذا على أن انقطاع


(١) البيت من مرفل الكامل، لزهير بن أبي سلمى، في: ديوانه ١١٠، والإنصاف ١: ٣٧١، وابن يعيش ٤: ٩٣، ٨: ١١، والخزانة ٩: ٤٣٩، ٤٤١.

(٢) البيت من المتقارب، لأبي دؤاد الإيادي، في: الكتاب ١: ٦٦، والتحصيل ٨٧، وابن يعيش ٣: ٢٦، ٨: ٥٢، ٩: ١٠٥، والخزانة ٤: ٤١٧، ٧: ١٨، ٩: ٥٩٢، ١٠: ٤٨١.

وبلا نسبة في: همع الهوامع ٤: ٢٩١.

(٣) الأصل غير واضح.