باب حتى
  كأنّ الهاء معدومة، وكأنه يقول: ردّوا، وقالوا: ردّها، بالفتح، كأنهم يقولون: ردّا، ولا اعتداد بالهاء. فقول من قال: زرّه، و: زرّه، و: زرّه، خطأ لا يجوز. فكيف يورد في الفصيح، وهو لحن.
  فكما أنهم لم يعتدوا بالهاء في هذا، لم يعتدوا بالنون في (منذ) و (منتن) فضموا.
  وأما إذا كانا اسمين، فإنهما بنيا لتضمنهما معنى (من) و (إلى) إذا كان ما بعدهما مبهمين. أو (من) وحدها، إذا كانا لأول الوقت. فكما أن (كم) و (من) بنيا لتضمنهما معنى [الحرف](١)، فكذا هاهنا.
  وتقول: لم أره مذ قيامك، ومذ قام زيد، ومذ أنّ الله خلقني، ومذ قدم زيد. فتوقع الفعل، والمصادر، هاهنا. فيزعم الفارس(٢): أن المبتدأ مراد. والتقدير: مذ يوم قدم فلان، ومذ وقت قيامك، فحذف. وابن السري يزعم: أن (مذ قام) إنما جاز، لدلالة الفعل على الزمان. والأول أوجه. ولا تقول: ما رأيته مذ عبد الله، لأنه ليس بزمان. وقالوا: مذ الحجاج الخليفة. لأن وقته معلوم، أي: مذ زمن الحجاج. وتقول: ما رأيته مذ يوم الجمعة، ويوم السبت، تنصب (يوم السبت) بالحمل على موضع (مذ) إذ موضعه [٩٠ / أ] منصوب على الظرف. قال: و (مذ) إن لقيها ساكن، ضمت الذال، لأن أصله (منذ). والحرف إذا كان له أصل في الحركة، ثم سكن، ثم احتيج إلى تحريكه، روجع الأصل، وردّ إليه ما كان في الأصل. ألا ترى أنه يقال: ذهبتم الآن في: ذهبتم، فتضم الميم، لالتقاء الساكنين، لأن أصله (ذهبتمو) فكذا هاهنا. ولهذا قرأ الأكثرون: {عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ}(٣)، بضم الميم، لأن أصل (عليهم) (عليهمو) فردّه عند التقاء الساكنين إلى الضم. فأما قراءة أبي عمرو: (عليهم الذّلّة)، بكسر الميم(٤)، فليس على أنه اعتقد في (عليهم) أن أصله (عليهمي) فسترى ذلك إن شاء الله تعالى.
باب حتى
  اعلم أن (حتى) من عوامل الأسماء، دون الأفعال. وعملها في الأسماء: الجر، إذا كانت للغاية.
  نحو قولك: أكلت السمكة حتى رأسها، أي: إلى رأسها، قال الله تعالى: {سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} (٥)(٥). ف (حتى) في هذه الآية: حرف جر. ولا بد لها من شيء يتعلق بها. وليس في الكلام لها متعلق إلا شيئان: أحدهما: قوله: سلام. والآخر (هي). ولا يسهل تعلقه بسلام، لأن (سلاما) مصدر، ولا يتعلق بالمصدر شيء، وقع الفصل بينه وبين المصدر. وهي: مبتدأ. وسلام: خبره. وقد وقع (هي) بينه وبين ما يتعلق به، فلا يسهل ذلك، ولا يتعلق ب (هي) إذ لا يصح: هي حتى مطلع الفجر، لأنه لا معنى للفعل فيه. ولكن، لما كان قوله: (سلام): مصدرا، بمعنى:
(١) الأصل غير واضح.
(٢) أي: أبو علي، الفارسي. المقتصد ٢: ٨٥٥.
(٣) ٢: سورة البقرة ٦١.
(٤) الحجة - لأبي علي ١: ٤٣، والمحتسب ١: ٢٣٢، والتيسير ١٩، وغيث النفع ٥١.
(٥) ٩٧: سورة القدر ٥.