كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب الإضافة

صفحة 239 - الجزء 1

  وأقيم المضاف إليه مقامه، وهما لا يجتمعان، لأن التنوين مقطع الاسم، وتمامه. والمضاف إليه بعض المضاف، ومن تمامه، فلا يدخل التنوين بينهما، لأن التنوين يفصل بينهما والفصل بينهما ممتنع [٩٢ / أ] إلا في ضرورة الشعر. [قال الشاعر]:

  ٢٣٤ - لمّا رأت ساتيد ما استعبرت ... لله درّ، اليوم، من لامها⁣(⁣١)

  أي: در من لامها اليوم. [وقال الآخر]:

  ٢٣٥ - كأنّ أصوات، من إيغالهنّ بنا ... أواخر الميس، أصوات الفراريج⁣(⁣٢)

  أي: كأن أصوات أواخر الميس. ففصل للضرورة. فأما في غير الضرورة، فالفصل ممتنع.

  وقراءة ابن عامر: {قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ}⁣(⁣٣)، بإضافة (قتل) إلى (شركائهم) مع الفصل بالمفعول، لم يستحسنوه⁣(⁣٤)، لما ذكرناه. وأما الظروف، فقولك: خلف زيد، وعند بكر. تقديره: خلفا لزيد، فهو بمعنى اللام. فإن قلت: فإن الاسم، إذا تضمن معنى الحرف، وجب بناؤه. فلم لم يبن هاهنا، وقد تضمن معنى اللام؟!.

  قلنا: إن الاسم، إنما يبنى، إذا تضمن معنى الحرف، ولم يجز إظهار الحرف معه. وهاهنا، إظهار اللام جائز. فقولنا: غلام زيد، أي: غلام لزيد، ومعناهما واحد، وكلاهما في اللفظ سائغ.

  فاعرفه.

  والأسماء المتضمنة للحروف، على ثلاثة أقسام: قسم يتضمن معناها، ولا يظهر معها، فيبنى لتضمنه معنى الحرف. مثل (من) و (كم) فتضمنتا معنى (الهمزة). ولو أظهرت (الهمزة) لم يجز. وقسم ثان، وهو: أن يكون الاسم معدولا عن اسم آخر، نحو: سحر، فهو معدول عن (السّحر) باللام. فهذا لا يبنى، لأن (سحر) اللام فيه مراد، كما في المعدول عنه، ظاهر. فهو في اللفظ غير منطوق به، ولكنه في التقدير مراد. لو لم يكن مرادا، لم يكن معدولا، لأن العدل هو أن تلفظ ببناء، وتريد آخر. وإذا كان تقديره بمنزلة الثبات، لم يجب بناؤه.

  وقسم ثالث: وهو الإضافة، والظروف، وغير ذلك. نحو: غلام زيد، وجلست خلفك، وقمت اليوم. لو أظهرت الحرف، جاز. ولو لم تظهر، جاز. فهذا معرب غير مبني، أيضا، فافهمه.

  والقسم الثاني، من الأول، وهو الإضافة التي ليست بمحضة، وهو ينقسم أربعة أقسام:


(١) سبق ذكره رقم (١٩).

(٢) البيت من البسيط، لذي الرمة، في: ديوانه ٢: ٩٩٦، والكتاب ١: ١٧٩، ٢: ١٦٦، ٢٨٠، والتحصيل ١٤٤، والخصائص ٢: ٤٠٤، والإنصاف ٢: ٤٣٣، والخزانة ٤: ١٠٨، ٤١٣، ٤١٩. وبلا نسبة في: ابن يعيش ٣: ٧٧.

(٣) ٦: سورة الأنعام ١٣٧. السبعة ٢٧٠، وحجة القراءات ٢٧٣.

(٤) فقد رد هذه القراءة جمع من العلماء، منهم: النحاس، والزمخشري، وابن عصفور، الخصائص ٢: ٤٠٧، وإعراب القرآن - للنحاس ١: ٥٨٢، والكشاف ٢: ٥٤، ومجمع البيان ٤: ٣٧٠، وتفسير القرطبي ٧: ٩١، والنشر ٢: ٢٦٣، وينظر: أثر القرآن والقراءات في النحو العربي ٣٢٣.