معرفة ما يتبع الاسم في الإعراب
  {وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ}(١). فقوله: (أنزلناه): جملة من فعل، وفاعل، في موضع الرفع: صفة ل (كتاب). فكما أن (مباركا) رفع فكذا (أنزلناه). وقال الله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}(٢) ف (يحبّهم) و (يحبّونه) جر: صفة ل (قوم). كما أن: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}، كذلك. وليس قول من قال: إن المفرد، والجملة، إذا اجتمعا وصفا، وجب تقديم المفرد، بشيء. ألا ترى أن الآيتين بخلاف ذلك. وهذه الجملة إذا جاءت بعد المعرفة، كانت حالا، ولم تكن صفة.
  تقول: مررت بزيد قام أبوه. فتجعل (قام أبوه) حالا، بإضمار (قد). لأن الماضي لا يكون حالا إلا بإضمار (قد). قال الله تعالى: {جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ}(٣). فقوله: (حصرت صدورهم): في موضع الحال، بإضمار (قد) أي: قد حصرت صدورهم. [قال الشاعر]:
  ٢٤٦ - وطعن كفم الزّقّ ... غذا ... (٤)
  أي: فقد غذا، فأضمر (قد) لما ذكرنا، لا بد من إضماره. وتقول في الجملة الأخرى: مررت بزيد أبوه قائم. فالجملة: في موضع الحال. ولا تكون وصفا، لأن الجملة نكرة، فلا تجري وصفا على المعرفة، لما ذكرناه في أول الباب. واعلم أنك، إذا قلت: مررت برجل أفضل منك أبوه، لم يجز أن تجعل (أفضل) صفة ل (رجل) وترفع (أبوه) به، بخلاف قولك: مررت برجل ضارب زيدا أبوه، و: بحسن أبوه(٥). وإنما لم يجز في (أفضل) هذا، إعماله في الظاهر، لأن الأصل في الإعمال: الفعل، ثم اسم الفاعل الجاري عليه، ثم الصفة المشبهة باسم الفاعل، لقوة تصرف هذين.
  فأما (أفضل) فهو في الدرجة الرابعة. وليس له تصرّف، فضعف عن [٩٨ / ب] شبه الفعل، فلم يعمل في الظاهر، وإنما عمل في المضمر، لو قلت: مررت برجل أفضل منك. فتجعل فيه ضميرا مرفوعا، جاز جريه، وصفا على الأول. فأما لو قلت: مررت برجل أفضل منك أبوه، لم يجز رفع الظاهر به. وإنما ينبغي أن تقول: مررت برجل أفضل منك أبوه. فترفع (أفضل) بالابتداء، وما بعده الخبر. والجملة في موضع الجر، وصفا للمجرور. فاعرف هذا.
  [فإن قلت]: فإنكم تقولون: ما رأيت رجلا أحسن في عينه الكحل، منه في عين زيد.
  فترفعون الكحل ب (أحسن). وهذا نقض لما ذكرتم. وقد قال عليه الصلاة والسّلام: " ما من أيّام أحبّ إلى الله فيها الّصّوم من عشر ذي الحجة"(٦). فرفع (الصوم) ب (أحب) وجر (أحب) وصفا
(١) ٦: سورة الأنعام ١٥٥.
(٢) ٥: سورة المائدة ٥٤.
(٣) ٤: سورة النساء ٩٠.
(٤) البيت من الهزج، للفند الزماني، وتمامه:
وطعن كفم الزق ... غذا، والزق ملآن.
وهو في: ديوان الحماسة ١: ٧، والأمالي ١: ٢٦٠، والخزانة ٣: ٤٣٢.
(٥) أي: مررت برجل حسن أبوه.
(٦) سنن الترمذي ٣: ١٣١، ومنثور الفوائد ٥٠، والتاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول ٢: ٩٥، وينظر: الكتاب ٢: ٣٢.