كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب النكرة والمعرفة

صفحة 276 - الجزء 1

  الخليل⁣(⁣١): أنّ الياء، والكاف، والهاء: مجرورة بالإضافة، وأنّ (إيا) اسم مضمر. وذهب الزجاج⁣(⁣٢) إلى مثل هذا، غير أنه ادعى: أنّ (إيا) اسم ظاهر. وذهب الفراء إلى أنّ (إياك) بكمالها: اسم. وقد كفانا الزجاج قول الفراء، حيث قال: لم نر اسما تغير آخره، لاختلاف المسمّين. ألا ترى أنه لا يقال: إنّ (عصاك) بكمالها، اسم. فكيف جاز هذا في (إياك). والصحيح من هذه الأقاويل، قول أبي الحسن⁣(⁣٣): إنّ (إيا) اسم مضمر. فإذا كان مضمرا، لم يضف إلى هذه الحروف، لأن إضافة المضمر غير مشاهد، وما جاء عنهم في ذلك شيء.

  وأما قول العرب: " إذا بلغ الرجل الستين، فإياه، وإيا الشوابّ"⁣(⁣٤)، فقد جعلوه في عداد الشواذ، والنوادر. ومن قال: إنه اسم ظاهر، قيل: لم نر اسما ظاهرا، لزم طريقة واحدة، إلا الظروف، نحو: الآن، وغيره. و (إيا) ليس بظرف، فكيف لزم النصب في جميع الأحوال؟. وكفى ضعفا خروج القائل عن كلامهم. فالكاف، والياء، والهاء: حروف، وليس مثلها في: عصاي، وعصاك، وعصاه. لأن ذلك مضاف، لمّا كان مظهرا، وهذا مضمر، لا يجوز إضافته.

  وأبو سعيد يزعم: أن (إيا) وصلة إلى التكلم بهذه الحروف. وذلك أن هذه الحروف كانت مفعولات، نحو: رأيتك، ورأيته، ورأيتني. فلما قدموها على الفعل استقبحوا أن يقولوا (كرأيت) (وهو رأيت) و (إني رأيت). فجاؤوا ب (إيا) وصلة إلى هذه الحروف، فهو من (أيّ) التي هي وصلة إلى نداء ما فيه اللام، نحو: يا أيها الرجل. ف (إيا) عنده مشتق من (أيّ). وليس كما قال، لأن المضمرات بمنزلة الحروف. والحروف لا يحكم باشتقاقها، لجمودها، وقلة تصرفها تصرف الأسماء، والأفعال. ف (إياك) أبدا، منصوب بفعل بعده [١١٢ / أ] ولا ينتصب بما قبله. وكذلك: إياي، وإياه. فأما قوله تعالى: {وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}⁣(⁣٥)، فمنصوب بفعل مضمر مقدر بعده. والتقدير: وإياي فارهبوا. وقوله: (فارهبون): تفسير له. ولو قدرت المضمر قبله، قلت: فارهبوني. ولا يجوز: فارهبوا إياي.

  واعلم أنّ قولهم: أنا، وأنت، وهو: يقعن فصلا بين المبتدأ، والخبر، إذا قلت: زيد قائم.

  وتقول: زيد هو قائم. ف (هو) فصل. ومعنى الفصل: أنه يفصل بين الوصف، والخبر. لو قلت: زيد القائم، احتمل أن يكون القائم وصفا، وخبرا، فلما جئت ب (هو) علمت أنه خبر، وليس بوصف. وهكذا يقع في باب العوامل الداخلة على المبتدأ، والخبر، نحو: كان، وإنّ، وظننت. قال الله تعالى: {إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ}⁣(⁣٦). وقال {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَ}⁣(⁣٧).


(١) الكتاب ١: ٢٧٩، ونصه: " قال الخليل: لو أن رجلا قال: إياك نفسك، لم أعنفه، لأن هذه الكاف مجرورة".

(٢) الإنصاف (مسألة ٩٨) ٢: ٦٩٥.

(٣) وقد حكى السراج عن المبرد، وعن أبي الحسن الأخفش مثل ذلك. ينظر: مجمع البيان ١: ٢٥.

(٤) الكتاب ١: ٢٧٩.

(٥) ٢: سورة البقرة ٤٠.

(٦) ٨: سورة الأنفال ٣٢.

(٧) ٣٤: سورة سبأ ٦.