باب النكرة والمعرفة
  فالذين أوتوا العلم: الفاعل، والذي أنزل إليك من ربك: المفعول الأول، والحقّ: المفعول الثاني، وهو: فصل. وقال: {إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً}(١). ف (أنا) فصل، وأقلّ: المفعول الثاني.
  وشرط هذا الفصل أن يقع بين المبتدأ، والخبر، إذا كانا معرفتين، أو قارب المعرفة. قال الله تعالى: {وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً}(٢). فوقع (هو) هاهنا، فصلا، لأن قوله (خيرا) في تقدير: خيرا من كذا، فقد قارب المعرفة. وقد جاء هذا بين المبتدأ، وخبره، إذا كان مضارعا، وذلك نحو قوله: {وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ}(٣). فأجازوا: زيد هو يقوم، ولم يجيزوا: زيد هو قائم، لأن (قام) لا يشبه الأسماء، بخلاف (يقوم). فأما قوله تعالى: {قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ}(٤)، فلا يكون (هنّ) فصلا، هاهنا، إلا على أن تقرر: هنّ أطهر من غيرهنّ، وهم الذكور. فهؤلاء: مبتدأ، وبناتي: وصف لهنّ، وهنّ: مبتدأ ثان. وأطهر: خبر، بمعنى: الطاهرات.
  والجملة: خبر. أو يكون (هن) فصلا. وأطهر: الخبر. وقد روي بالنصب(٥). أعني: أطهر لكم، وقد لحّن قارئه. وقيل: وجهه، أنه نصب [١١٢ / ب] على الحال، لأنه جعل هؤلاء: مبتدأ، وبناتي: ابتداءا ثانيا، وهن: الخبر. فنصب (أطهر) على الحال. والعامل فيه معنى هؤلاء، من الإشارة، أي: بناتي هنّ.
  ويحكى عن أبي عمر(٦)، أن هذا القارئ، وهو ابن مروان(٧)، احتبى في لحنه(٨)، وهو ما ذكرناه. قال: وأما الضمير المتصل، فثلاثة أقسام: مرفوع، ومنصوب، ومجرور.
  فالمرفوع: التاء، في (قمت)، والنون، والألف، في (قلنا) والتاء، في (قمت) و (قمتما) و (قمتم) و (قمت) و (قمتما) و (قمتن). والضمير في: زيد قام، والزيدان قاما، والزيدون قاموا.
  والضمير في الفاعل، نحو: زيد قائم. وفي المفعول: زيد مضروب.
  [أقول]: إنما كان في هذا ضمير، لأن (قائما) مشتق من (قام) وقام فعل. ولا بد له من فاعل، وفاعله بعده، فكذلك المشتق منه. وكذلك مضروب، في التقدير: ضرب. إلا أنّ الضمير، في هذين الاسمين، ليس كالضمير، في الأفعال. لأن الفعل يصلح أن يكون صلة للموصول بضميره،
(١) ١٨: سورة الكهف ٣٩.
(٢) ٧٣: سورة المزمل ٢٠.
(٣) ٣٥: سورة فاطر ١٠.
(٤) ١١: سورة هود ٧٨.
(٥) الذين رويت عنهم قراءة (اطهر) بالنصب، هم: الحسن، وزيد بن علي، وعيسى بن عمر، والثقفي، وسعيد بن جبير، ومحمد بن مروان بن الحكم، وعبد الله بن أبي إسحاق، وعبد الملك بن مروان. تفسير الطبري ١٢: ٥٢، وإعراب القرآن - للنحاس ٢: ١٠٤، والمحتسب ١: ٣٢٥، والكشاف ٢: ٢٨٣، ومجمع البيان ٥: ١٨١، وتفسير الرازي ١٨: ٣٤، وتفسير القرطبي ٩: ٧٦، والبحر المحيط ٥: ٢٤٧.
(٦) الكتاب ٢: ٣٩٦، ٣٩٧، وفي الأصل: (عمرو)، وهو: وهم.
(٧) هو: محمد بن مروان، المدني، القارئ، ذكره الداني وقال: وردت عنه الرواية في حروف القرآن، وذكر عن أبي حاتم، السجستاني أنه قال: ابن مروان قارئ أهل المدينة، وعن الأصمعي أنه قال: قلت لأبي عمرو بن العلاء: إن عيسى بن عمر، حدثنا، قال: قرأ ابن مروان: (هنّ أطهر لكم)، قال: احتبى من لحنه. غاية النهاية ٢: ٢٦١.
(٨) احتبى في لحنه، أي: اشتمل بالخطأ.