كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب النكرة والمعرفة

صفحة 278 - الجزء 1

  لأنه صار جملة معه. والضمير، في الفاعل والمفعول، لا يصيرهما جملة، فلا يستقل به الصلة. لو قلت: جاءني الذي قائم، أو جاءني الذي مضروب، لم يجز، لأنه ليس بجملة. وليس لهذا الضمير، صيغة تدل عليها، كالتاء، والألف، والواو في الأفعال. والضمير الذي في الظرف، نحو: زيد خلفك، تقديره: زيد مستقر خلفك، فحذف (مستقر) وانتقل الضمير منه إلى الظرف، وصار مرتفعا به، بدليل مجيء الحال عنه، والعطف عليه، والبدل منه، والتأكيد له، على ما قدمناه، في باب المبتدأ، وباب الخبر.

  فأما الضمير المنصوب المتصل، فالياء، في (كلّمني)، والتثنية، والجمع جميعا (كلّمنا). الياء، في (كلّمني) هو: الاسم. والنون عماد. وإنما جيء بها، لأن ياء المتكلم يكسر ما قبلها، فكرهوا الكسر في الفعل، كما كرهوا الجر فيه. فالنون جيء به لهذا المعنى. وإذا كانوا قد جاؤوا بالنون، في نحو (إنني) ليسلم آخر (إنّ) لمشابهته بالفعل، فإلحاقه بالفعل أولى. وقد ألحقوها (قدني) و (عنّي) و (منّي)، ليسلم سكون الأواخر، كما أرادوا سلامة آخر الفعل، هاهنا.

  واعلم أنه [١١٣ / أ] مهما أمكنك الإتيان بالمتصل، لم تأت بالمنفصل. تقول: قمت. ولا تقول: قام أنا، لأن (أنا) منفصل يجري مجرى الأجنبي، نحو: زيد وعمرو مع الفعل. وهذا يدل على أن الكلام، إذا أمكن أن يقدر تقدير المفرد، فهو أولى من أن يقدّر بعضها، منفصلا من بعض. وكذلك: قمت، لا تقول: قام أنت.

  [فإن قلت]: فإنّ الفرزدق قد قال:

  ٢٨٧ - ... وإنما ... يدافع عن أحسابكم أنا، أو مثلي⁣(⁣١)

  ولم لم يقل: أدافع؟ وهل هو كقوله:

  ٢٨٨ - إليك حتى بلغت إياكا⁣(⁣٢)

  أو هو مستحسن؟

  [الجواب]: أنّ قوله: إنما يدافع، معناه: ما يدافع [عن]⁣(⁣٣) أحسابكم إلا أنا. لأن (إنّ) للتحقيق، و (ما) للنفي. فحمل الكلام على المعنى، كما قال تعالى: {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ ١٧ بِأَكْوابٍ}⁣(⁣٤) ... إلى أن قال: {وَحُورٌ عِينٌ} (٢٢)⁣(⁣٥)، فرفع، حملا على المعنى، لأن الكلام، دل على


(١) البيت من الطويل، ديوانه ٢: ٣١٥، وصدره:

أنا الضامن الراعي عليهم، وإنما ...

وهو في ديوانه ٢: ٣١٥.

(٢) من الزجز، لحميد الأرقط، وقبله:

أتتك عنس تقطع الاراكا

وهو بهذه النسبة في: ابن يعيش ٣: ١٠٣، والخزانة ٥: ٢٨٠، ٢٨١.

وبلا نسبة في: الكتاب ٢: ٣٦٢، والتحصيل ٣٧٢، والخصائص ١: ٣٠٧، والإنصاف ٢: ٦٩٩.

(٣) في الأصل: من.

(٤) ٥٦: سورة الواقعة ١٧، ١٨.

(٥) ٥٦: سورة الواقعة ٢٢.