باب النكرة والمعرفة
  على أنه يقال: ذاك نفسه زيد، فثبت أن الكاف حرف للخطاب، وأن تأكيده غير جائز. وإذا قلت: ذانك، فثنيت، حذفت الألف الثابتة في المفرد، ولم تقلبها ياءا، كما قلبتها في (فتى) حين قلت: فتيان للفصل بين المتمكن، وغير المتمكن. ومن العرب من يعوض عن هذه الألف المحذوفة، فيقول: ذانّك، فيشدد النون، وبه قرأ جماعة(١): {فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ}، فشددوا النون. وقد جاء عنهم(٢): {فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ}، فعوّض الياء(٣).
  وأبو علي(٤) يذهب إلى أنّ قولهم: ذان: صيغة مرتجلة، وضعت للتثنية، لأنها، لو كانت تثنية ل (ذا) لكان على حد: زيد، وعمرو. وأنت تقول: الزيدان [١١٥ / أ]، ولم يقل: الذان، فثبت أن (ذا) هذا لم يثن، كما ثني زيد. وهكذا حكم: تانك، وتينك، وأولئك، وأولاك.
  وقد جاء (ذا) بمعنى الذي. [قال الشاعر]:
  ٢٩٢ - عدس. ما لعبّاد عليك إمارة ... نجوت. وهذا، تحملين، طليق(٥)
  أي: والذي تحملين طليق. وقال في نحو قوله: {ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ}(٦) و: {ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ}(٧) و: {ما ذا يُنْفِقُونَ}(٨): إنه يجوز أن يكون (ما) مبتدأ، و (ذا) بمعنى الذي. والفعل الذي بعده صلة. والموصول مع الصلة: خبر (ما) قالوا: ويجوز أن يكون (ما) مع (ذا) بمنزلة اسم مفرد(٩) منصوب بالفعل الواقع بعده. كأنه قال: أي شيء أنزل ربكم؟ وأي شيء يستعجل منه المجرمون؟.
  وأبو إسحاق(١٠) جوز أن يكون: " ماذا يستعجل"، على تقدير: أي شيء يستعجله؟.
  فيكون (ما) مع (ذا) كالشيء الواحد، مرفوعا بالابتداء، على إضمار الهاء في (يستعجل) أي: يستعجله.
  ورد عليه، أبو علي(١١). فقال: هذا لا يجوز، في حال السعة، والاختيار، إنما يكون في حال
(١) وهم أهل البصرة: (أبو عمرو، ويعقوب، وأصحابهما)، وابن كثير، ورويس. السبعة ٤٩٣، وإعراب القرآن - للنحاس ٥٢٥، ومجمع البيان ٧: ٢٥١، وتفسير القرطبي ١٣: ٢٨٥، والنشر ٢: ٣٤١، وإتحاف الفضلاء ٣٤٢.
(٢) وهم: ابن كثير، وابن مسعود، وعيسى، وأبو نوفل، وابن هرمز، وشبل. السبعة ٤٩٣، وتفسير القرطبي ١٣: ٢٨٥، والبحر المحيط ٧: ١١٨.
(٣) عن: التشديد.
(٤) المقتصد ١: ١٩١.
(٥) البيت من الطويل، ليزيد بن مفرغ، الحميري، في: شعره ١١٥، ومعاني القرآن - للفراء ٢: ١٧٧، والإنصاف ٢: ٧١٧، واللسان (عدس) ٦: ١٣٣، والخزانة ٤: ٣٣٣، ٦: ٤١، ٤٢، ٤٨، ٣٨٨. وبلا نسبة في: ابن يعيش ٢: ١٦، وهمع الهوامع ١: ٢٩٠، وشفاء العليل ٢: ٨٧٧.
(٦) ١٦: سورة النحل ٢٤.
(٧) ١٠: سورة يونس ٥٠.
(٨) ٢: سورة البقرة ٢١٩.
(٩) المسائل المشكلة ٣٧١.
(١٠) تفسير القرطبي ٨: ٣٥٠، والخزانة ٦: ١٤٣.
(١١) الخزانة ٦: ١٤٤، وفيه: ذهب أبو علي في: (المسائل المنثورة) إلى أن (ماذا) بمعنى: (شيء) نكرة.