باب النكرة والمعرفة
  اضطرار، وإقامة الوزن. وقد جاء مثل ما قال أبو إسحاق، عن ابن عامر في قوله تعالى: {وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى}(١)، على تقدير: وكلّ وعده الله الحسنى. فرفع (كلا) بالابتداء، وأضمر الهاء، وليس في هذا اضطرار. وإنما هو كلام الله، فلا يختار فيه إلا الأفصح. وتخطئة ابن عامر لا يجوز.
  والبصريون يقدمون الأعلام، في باب التعريف، على المبهم. وقوم يخالفونهم(٢)، فيقدمون المبهمة على الأعلام في التعريف. ويظهر هذا في قولهم، إذا قال الرجل: هذه فاطمة طالق، فأشار إلى واحدة، اسمها غير فاطمة، فإن الأكثرين قالوا: إن المشار إليها (طالق) دون (فاطمة).
  ومن قال: إنّ العلم، هو الغالب، وهو المتقدم، لزمه عكس ذلك.
  [قال أبو الفتح]: وأما ما تعرف باللام، فنحو: الرجل، والغلام، والطويل، والقصير.
  [قلت]: الألف، واللام على أربعة أقسام:
  [الأول]: أن يكون لتعريف الجنس، كقوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ} (٢)(٣).
  ف (الإنسان) هاهنا، اسم جنس، بدليل قوله: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا}(٤)، فاستثنى منهم. ولو أراد مفردا بعينه، ما جاء الاستثناء عنه. وقال(٥): " أهلك الناس [١١٥ / ب] الدينار، والدرهم". ومعلوم أن جميع الناس لا يهلكهم دينار ودرهم مفرد، إنما أراد الجنس. أي: أهلكهم هذا الجنس. ومثله: نعم الرجل زيد، يريدون به الجنس.
  [الثاني]: أن يكون الألف، واللام للعهد. وذلك إذا ذكرت منكورا لإنسان، ثم أعدتّه عرّفته، بالألف، واللام. تقول: كان عندي رجل، فقال: كيت، وكيت. ثم قال: عاد الرجل إلي، فقال: كيت، وكيت، أي: ذلك الرجل المعهود. قال الله تعالى: {كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً ١٥ فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ}(٦). أي: ذلك الرسول المعهود، فيتعرف بالتكرار. فعلى هذا، إذا قال: لفلان عليّ مئة، لفلان عليّ المئة، كان مالا واحدا. وتكون المئة الثانية، هي الأولى، لما ذكرنا. وكذلك، لو قال: صل ركعتين: صل الركعتين، لزمه ركعتان. ولو قال: صل ركعتين: صل ركعتين، لزمه أربع ركعات. ولو قال: له علي مئة، له علي مئة لزمه مئتان، لأن الثانية لمّا لم تتعرف باللام، كانت غير الأولى. ولهذا قالوا في قوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ٥ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} (٦)(٧): اليسر الثاني غير الأول، لمّا لم يذكر باللام. وصدقه الخبر: " لن يغلب عسر يسرين"(٨). ولو قال: له علي المئة: علي مئة، يلزمه مئتان، لأن الثانية منكورة، بخلاف الأولى. ولو قال: له علي المئة: له علي المئة،
(١) ٤: سورة النساء ٩٥. ينظر: ص ١٨٤، هامش (٤).
(٢) هم: الكوفيون. ينظر: الإنصاف (مسألة ١٠١) ٢: ٧٠٧.
(٣) ١٠٣: سورة العصر ٢.
(٤) ١٠٣: سورة العصر ٣.
(٥) أي: بعض العرب. شواهد التوضيح ١٧٦.
(٦) ٧٣: سورة المزمل ١٥، ١٦.
(٧) ٩٤: سورة الشرح ٥، ٦.
(٨) الموطأ ٣٥٨، والمقاصد الحسنة ٣٣٨، ٣٣٩، وينظر: تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث ١٢٨.