كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب النكرة والمعرفة

صفحة 285 - الجزء 1

  لحذفت في قوله: (الذكرين)⁣(⁣١) و {آللهُ خَيْرٌ}⁣(⁣٢)، كما حذفت في قوله: {أَفْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً}⁣(⁣٣) و {أَصْطَفَى الْبَناتِ}⁣(⁣٤) و {أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ}⁣(⁣٥). ألا ترى: أن همزة الاستفهام، لما دخلت على الفعل، وهو: (افترى) و (اصطفى البنات) و (استغفرت)، حذفت التي للوصل معها، ولم تحذف في (الذّكرين)، بل أبدلت، مدة. فعلم أنه ليس مثله في (افترى).

  [أقول]: اللام، وحدها، للتعريف، دون الهمزة. والدليل على ذلك: اتصاله بالاسم، كأحد حروفه. ألا ترى: أنك تقول: مررت بالرجل، فتعمل الباء في الرجل. ولو كانت الألف، واللام، بمنزلة (هل) لم تعمل الباء في الاسم، وكان فاصلا [١١٦ / ب] بين الجار، والمجرور، ولأن اللام، في التعريف، نقيض التنوين في التنكير. والتنوين: حرف واحد. فكذا ما بإزائه. تقول: مررت برجل، فيكون نكرة. ومررت بالرجل، فيكون معرفة.

  [فإن قلت]: فأنت تقول: مررت بهذا، فتعمل الباء في (ذا) ولا يكون (ها) فاصلة، وإن كانت على حرفين. فما أنكرت أن يكون المعرّف الألف، واللام، ولا يكون فاصلة؟

  [الجواب]: أنّ: (ها) للتوكيد، بمنزلة (ما) في قوله: {فَبِما رَحْمَةٍ}⁣(⁣٦) و {فَبِما نَقْضِهِمْ}⁣(⁣٧). ولا يجدّد معنى وجودها، لم يكن قبل وجودها، سوى التأكيد. فلم يكن الفصل بها فصلا، لمّا لم تغير المعنى. وليس كذلك اللام. لأن معنى قولك: مررت بالرجل، غير معناه، إذا قلت: مررت برجل.

  ولهذا المعنى جاز للشاعر أن يجمع في القافية بين رجل، والرجل، وفرس، والفرس. ولا يكون ذلك عيبا، لاختلاف معناهما. فلما امتزج بالكلمة امتزاج أحد حروفه، جاز أن يعمل ما قبلها، فيما بعدها، وإن غيّر المعنى. فلو لم يكن على حرف، كان فاصلا غير ممتزج، كانفصال: هل، وبل، وقد.

  وأما إثباتها في: (الذّكرين)، فلا يدل على أنها ألف قطع، وإنما صح ذلك، لأنهم لو حذفوها، فقالوا: الرجل فعل كذا، و: (الذكرين حرم)، اشتبه الخبر بالاستخبار. فقالوا: الرجل فعل كذا، في الاستخبار، والرجل فعل كذا، في الخبر، لينفصل أحدهما من الآخر. وتقول: إني لأمر بالرجل مثلك، فيكون الألف، واللام في تقدير الطرح، ليصح وصفه بمثلك. لأن (مثلك) نكرة، أو لأن (الرجل) هاهنا، ليس بمقصود قصده، ولا يراد واحد بعينه، وإن دخلته اللام، كما قالوا في قوله تعالى: {صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}⁣(⁣٨): إن الذين ليس بمقصود قصدهم، فجاز وصفه بالمنكور.

  والقسم الخامس من المعارف: ما أضيف إلى أحد هذه الأربعة، فاكتسى منه التعريف، كما يكتسي منه سائر الأحكام على ما قدمنا.


(١) ٦: سورة الأنعام ١٤٣.

(٢) ٢٧: سورة النمل ٥٩.

(٣) ٣٤: سورة سبأ ٨.

(٤) ٣٧: سورة الصافات ١٥٣.

(٥) ٦٣: سورة المنافقون ٦.

(٦) سورة آل عمران ١٥٩.

(٧) ٤: سورة النساء ١٥٥.

(٨) ١: سورة الفاتحة ٧.