باب الشرط وجوابه
  واحِدٌ}(١). كان قبل دخول (ما): إنّ الله إله واحد. ف (ما) جاءت، وكفت (إنّ) عن عملها.
  وقالوا: (إنّ) للتحقيق، و (ما): نفي لما عدا المذكور. ودخل ليكف (إنّ) عن العمل؛ وقالوا؛ فكأنه قال: ما الله إلا إله واحد.
  [الثالث]: أن يكون (ما) صلة، كقوله تعالى: {فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ}(٢)؛ أي: فبرحمة.
  [الرابع]: أن يكون (ما) نافية، كقوله تعالى: {ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ}(٣).
  وأما (ما) التي للشرط، فهي اسم، كقوله تعالى: {ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها}(٤). فقال قوم: (ما) هاهنا، اسم، وهو منصوب ب (يفتح) فكأنه قال: أيّا يفتح الله للناس من رحمة.
  وقال قوم: بل هو حرف. والأول أظهر، حملا على (من) و (أيّ).
  وأما (أيّ) فعلى ثلاثة أقسام:
  [الأول]: أن يكون استفهاما، كقولك: أيّ شيء عندك. قال الله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ}(٥).
  [الثاني]: أن يكون (أيّ) بمعنى (الذي) كقولك: أيّهم يأتيني، فله درهم. أي: الذي يأتيني فله درهم. قال تعالى: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا} (٦٩)(٦). أي: لننزعنّ من كل شيعة الذي هو أشدّ على الرحمن عتيا. ف (أيّ) بمعنى (الذي). وبني على الضم، هاهنا. وكان حقه النصب: لأنه مفعول (لننزعنّ) وبه قرأ هارون(٧). فيما زعم سيبويه(٨). قال: وحدثنا: هارون عن بعض الكوفيين، وكان رأسا: {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ}(٩)، بالنصب(١٠). وإنما بني على الضم، لأنه حذف من صلته؛ فأشبه (قبل) و (بعد) فبني كما بني (قبل) و (بعد).
  [الثالث]: أن يكون (أيّ) بمعنى الشرط، والجزاء. قال الله تعالى: {أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى}(١١). ف (أيا) منصوب ب (تدعوا) و (ما) زائدة. وتدعوا: جزم ب (أيّ). والفاء، في
(١) ٤: سورة النساء ١٧١.
(٢) ٣: سورة آل عمران ١٥٩.
(٣) ٧: سورة الأعراف ٨٥.
(٤) ٣٥: سورة فاطر ٢.
(٥) ٦: سورة الأنعام ١٩.
(٦) ١٩: سورة مريم ٦٩.
(٧) هو: هارون بن موسى، أبو عبد الله، الأعور، العتكي، البصري، الأزدي (ت ١٧٠ هـ على الارجح). روى القراءة عن: عاصم الجحدري، وعاصم بن أبي النجود، وعبد الله بن كثير، وأبي عمرو بن العلاء، وآخرين.
روى القراءة عنه: علي بن نصر، ويونس بن محمد المؤدب، وشهاب بن شرنقة، وآخرون، قال أبو حاتم السجستاني: كان أول من سمع بالبصرة وجوه القراءات، وألفها، وتتبع الشاذ منها، فبحث عن إسناده.
ينظر: غاية النهاية ٢: ٣٤٨.
(٨) الكتاب ٢: ٣٩٩.
(٩) ١٩: سورة مريم ٦٩.
(١٠) وهي قراءة: هارون، ومعاذ بن مسلم الهراء، وطلحة بن معرف، والأعرج، وزائدة، والأعمش. مختصر في شواذ القرآن ٨٦، وتفسير التبيان ٧: ١٤١، والبحر المحيط ٦: ٢٠٩.
(١١) ١٧: سورة الإسراء ١١٠.