كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب التعجب

صفحة 311 - الجزء 1

  يا زيدان ما أجمل عمرا، ويا هند، ما أجمل زيدا؛ أي [تقول] شيء صيّر عمرا ذا جمال. كما تقول: أجرب الرجل [فإن قلت] فإذا كان الجار، والمجرور، في قوله: (أبصر بهم)، في موضع الرفع لكونه فاعل (أسمع) فأين الفاعل ل (أبصر) وقد ذكرتم أن الفاعل لا يجوز حذفه، فإن قلتم: فهو مضمر، فما علامة الإضمار في قوله: (وأبصر)؟

  [فالجواب]: الفاعل لا يحذف ولكن لما جرى، هاهنا، ظاهرا، في الفعل الأول، جاز إضماره في الثاني، لجري ذكره، مع الأول. ألا ترى أنّ سيبويه⁣(⁣١)، لا يجيز العطف على عاملين، كقولك: مررت بزيد في الدار، والقصر عمرو، على تقدير: وفي القصر عمرو، لم يجز ذلك، ثم أنشد [قول الشاعر]:

  ٣١٤ - أكلّ امرئ تحسبين امرءا ... ونار توقّد بالليل نارا⁣(⁣٢)

  فقال: التقدير: وكلّ نار، فأضمر (كلا) لجري ذكره في الأول، ولم يعطفه على الأول. فكذا، هنا، لا يجيز حذف الفاعل من (ضربني) و (ضربت) زيدا، لا يجيز حذف الفاعل من (ضربني) حتى تقول في التثنية، في قولهم: ضربني ضرباني، وضربت الزيدين. ثم أجاز حذف الفاعل في:

  {أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} لجري ذكره في الأول.

  [قال أبو الفتح]: وكل ما جاز فيه (ما أفعله) جاز فيه (أفعل به). وهو (أفعل منه) تقول: ما أحسن زيدا، وأحسن به، وزيد أحسن من عمرو. هذه الأشياء الثلاثة تستتب في الأفعال الثلاثية.

  فأما ما زاد على ذلك، أو كان في تقدير الزيادة، لا يجيء منه أحد هذه الأشياء الثلاثة؛ لأنه، لا يمكن النطق به، فإنما يتوصل إلى ذلك بفعل ثلاثي منه يصاغ لفظ التعجب، ولفظ التفضيل، ثم يوقع التعجب، والتفضيل على مصدر ذلك الفعل الزائد على الثلاثي. كقولك في (دحرج) ما أشدّ دحرجة عمرو، وأشدد بدحرجة عمرو، وزيد أشدّ دحرجة من عمرو.

  [فإن قلت]: فقد قال الله تعالى: {وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} (٧٢)⁣(⁣٣). قوله: (أعمى): أفعل التفضيل، وانتم لا تجيزون: ما أعمى زيدا، وما أعور زيدا، ولا تجيزون: أعم بزيد، وأعور بزيد. فهذه الآية تبطل قولكم.

  [الجواب]: نعم ... التعجب لا يجيء من هذه الأشياء؛ لأن هذه الأشياء، في تقدير الزيادة. ألا ترى [١٣٠ / ب)]: أن عور في معنى (أعور) لأن هذا المعنى، أعني: الألوان، والأدواء، إنما وضع له (افعلّ). والدليل عليه تصحيح الواو، في (عور) و (حول). ولو لم يكن في معنى (اعورّ) و (احولّ) لقيل: عار، وحال، كما قالوا في (خوف): خاف وفي (نوم): نام، إلا أنه قيل: ما أشدّ حوله، وهو أشدّ عورا من زيد. وأما الآية، فإن قوله {فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى} قالوا فيه: إنه من عمى القلب، لا من عمى العين. فاعرفه.


(١) الكتاب ١: ٦٦.

(٢) سبق ذكره رقم (٢٢٧)، (٢٧٨).

(٣) ١٧: سورة الإسراء ٧٢.