باب نعم وبئس
  وأما قوله: لا يقال: ما أحمره، من الحمرة، فهو صحيح. ولكن يقال من الحماريّة: ما أحمره، وهو أحمر منه، وزيد أحمر من عمرو. وأحمر بزيد. وكذلك يقال في السيادة: ما أسود زيدا، وأسود بزيد، وزيد أسود من عمرو. ولا يقال من السّواد ذلك. لا يقال: ما أسود زيدا، وإنما يقال: ما أشدّ سواد زيد.
  [فإن قلت]: فإن أبا الطيب، قد قال:
  ٣١٥ - ... ... لأنت أسود في عيني من الظّلم(١)
  وهو (أفعل) التفضيل.
  [قلت]: إنّ معنى هذا: لأنت أسود من الظّلم في عيني. ف (من) صفة أسود، وليس لابتداء غاية الذي في قولك: زيد أسود من عمرو. قالوا: وقوله: من الظلم، هو المستعمل ثلاث ظلم.
  أي: أنت أحد هذه الظلم.
باب نعم وبئس
  اعلم أنّ: نعم وبئس: فعلان ماضيان، غير متصرفين، ومعناهما المبالغة في المدح، والذم.
  وأصله: نعم؛ فأسكنت العين، ونقلت حركتها إلى الفاء، فقيل: نعم. وفيه أربع لغات: نعم، ونعم ونعم ونعم. وفيه لغة خامسة، وهي: نعيم، والدليل عليه قول الله، سبحانه، وتعالى، في قراءة من قرأ: {فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}(٢) بفتح النون، والميم(٣). وقد قرئت فيه هذه اللغات في كتاب الله: {فَنِعِمَّا هِيَ}، و {فَنِعِمَّا هِيَ}(٤) و {فَنِعِمَّا هِيَ}(٥). وبئس، يجوز فيه هذه اللغات إلّا في قوله: نعيم. فنعم، على أصله. ونعم: نقلت حركة العين إلى الفاء. ونعمّا: أسكنت حركة العين، وبقيت الحركة التي قبلها، على ما كانت عليه، ولم تنقل إليه حركة العين. ونعيم: أشبعت الكسرة. ونعم، وبئس:
(١) البيت من البسيط، وصدره:
ابعد، بعدت بياضا لا بياض له ...
وهو في: ديوانه ٤: ٣٥.
(٢) ١٣: سورة الرعد ٢٤.
(٣) وهو: ابن وثاب، وقد قرأها بفتح النون، والميم، وكسر العين: ابن يعمر. مختصر في شواذ القرآن ٦٦، والمحتسب ١: ٣٥٦، والكشاف ٢: ٣٥٨.
(٤) ٢: سورة البقرة ٢٧١. من قرأ (فنعما) بفتح النون، والميم، وكسر العين. هم: ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وخلف، والأعمش، واعتبرها الفخر الرازي قراءة سائر القراء؛ إذ قال: (من قرأ بهذه القراءة فقد أتى بهذه الكلمة على أصلها)، وهي (نعم). قال طرفة:
نعم الساعون في الأمر المبر ... ... البيت
ومن قرأ (فنعما) بكسر النون، والعين، هم: أبو عمرو، وعاصم، ونافع، وابن كثير، ويعقوب، والأعشى، والبرجمي.
إعراب القرآن - للنحاس: ١: ٢٩٠، والحجة - لابن خالويه ١٠٢، وحجة القراءات ١٤٧، والتيسير ٨٤، وتفسير التبيان ٢: ٣٥٠، والكشاف ١: ٣٩٧، ومجمع البيان ٢: ٣٨٣، وتفسير الرازي ٧: ٧٧، ٧٨، وتفسير القرطبي ٣: ٣٣٤، والبحر المحيط ٢: ٣٢٤، والنشر ٢: ٢٣٥، وإتحاف الفضلاء ١٦٥.
(٥) لم أقف على هذه القراءة.