كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب حبذا

صفحة 313 - الجزء 1

  فعلان إلا أنهما لمّا تضمنتا معاني؛ وتلك المعاني لا تستفاد إلا من الحروف، ولا توجد إلا في الحروف، منعا التّصرف، كالحروف، وهو [١٣١ / ا] دلالتهما على المدح، والذم، تشبيها بالحروف، فمنعا التصرف. واعلم أن فاعليهما لا يكونان إلا اسمين معرفين باللام، تعريف الجنس.

  فنقول: نعم الرجل زيد. فنعم: فعل. والرجل: مرفوع بفعله. وفعله (نعم). والألف، واللام: لاستغراق الجنس. وفي (زيد) وجهان: فمنهم من قال: إن (زيدا) رفع بالابتداء. والجملة التي قبله، من فعل، وفاعل: خبره.

  [فإن قلت]: قد ذكرتم أنّ الجملة إذا كانت خبرا عن المبتدأ؛ فلا بد فيها من ضمير يعود إلى المبتدأ، وهاهنا، الجملة خبر المبتدأ، ولا ضمير فيها، فأين الضمير؟.

  [الجواب]: قلنا: إنّ الجملة، إنما تحتاج إلى ضمير يعود إلى المبتدأ، إذا كانت الجملة أجنبية لا تحتمل المبتدأ، وهاهنا، الجملة ليست بأجنبية؛ لأنها تحتمل المبتدأ وغيره. والرجل، هاهنا، انتظم (زيدا) وغيره. وإذا كان كذلك، فلا احتياج بعد ذلك، إلى ضمير يعود من الجملة إلى المبتدأ.

  والثاني: أن يكون (زيد) خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو زيد، على ما ذكر في الكتاب⁣(⁣١).

  ويكون فاعلاهما مضمرين، على شريطة التفسير، معرّفين، مفسّرين بمنكور بعدهما. فنقول: نعم رجلا زيد. أي: نعم الرجل رجلا زيد. فلما أضمرت المعرّف، فسرته بقولك: رجلا. والمضاف إلى اللام كاللام، أي: له حكم الاسم الذي دخله الألف، واللام. فتقول: نعم غلام الرجل زيد، وبئس وافد العشيرة بكر. والتقدير: نعم الغلام، وبئس الوافد. وقوله: نعم رجلا، رجلا: نصب على التمييز. فإن كان الفاعل مؤنثا، كنت في إلحاق العلامة، وتركها مخيرا. فإن شئت قلت: نعم المرأة هند، وإن شئت قلت: نعمت المرأة هند، والترك أولى من الإلحاق. قوله تعالى: {وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ}⁣(⁣٢)، فلم يلحق العلامة، في نعم، مع أنّ الدار مؤنثة، هاهنا. فمن ألحق العلامة، قال: هذا فعل كسائر الأفعال، ومن لم يلحقها قال: لأنه أراد بقوله: نعم المرأة، جنس النساء، والجنس مذكر، فغلب المذكر على المؤنث، فقال (نعم) بغير العلامة.

باب حبّذا

  (حبذا) ليس له من الأفعال نظير، من وجهين [١٣١ / ب]:

  [الأول]: أنّ أصله: حبب. وحبب: بناء لازم، مثل: كرم. وفعل، أبدا، لا يتعدّى. وقد جاء، مع كونه لازما، منه: محبوب. ومحبوب يجيء من المتعدي، مثل المضروب: من (ضرب) ومقتول من (قتل) هذا هو الظاهر.

  وقد تأولوا (محبوبا) فقالوا: هذا ما حذفت منه الزيادات، كقولهم، في قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا


(١) الكتاب ٢: ١٧٧. وفيه: (كأنه قال: نعم الرجل، فقيل له: من هو؟ فقال: عبد الله).

(٢) ١٦: سورة النحل ٣٠.