باب حبذا
  الرِّياحَ لَواقِحَ}(١)، على تقدير: ملقحات. وقالوا: أسعد، فهو: مسعود، على تقدير: مسعد. وكذا (محبوب) من: أحبّ هو، على تقدير: محبّ، فحذفت. وقد قيل: حبّ، جاء متعديا. قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي}(٢)، فيمن قرأ بفتح التاء(٣). فعلى هذا، لا إشكال في (محبوب).
  [الثاني]: في خروج (حبذا) من نظائره: أنه جعل مع (ذا) بمنزلة شيء واحد. فأجروها مع (ذا) مجرى فعل واحد، فقالوا: هو بمنزلة (نعم) في المدح. فقالوا: حبذا الرجل زيد، وحبذا رجلا زيد. كما تقول: نعم الرجل زيد، ونعم رجلا زيد. ومنهم من يجري حبذا مجرى الاسم، فيقول:
  حبذا زيد، ويرفع (حبذا) بالابتداء، وزيد في موضع خبره.
  [فإن قلت]: فإنّ الفعل، لا يكون، قط، مرفوعا بالابتداء. لم يقولوا في: ضرب زيد: إنّ (ضرب) مرفوع بالابتداء، وزيد: في موضع خبره؛ فكيف قالوا: حبذا: مرفوع بالابتداء، وزيد في موضع خبره؟.
  [الجواب]: قلنا: إنّ هذا الفعل، لمّا جعل مع (ذا) بمنزلة شيء واحد؛ و (ذا) اسم؛ تبع الفعل الاسم، فسقط حكم الفعل منه، وكان الحكم ل (ذا) وهو اسم. فكما إذا قالوا: ذا زيد؛ ارتفع (ذا) بالابتداء، وزيد في موضع خبره، فقالوا في (حبذا) كذلك؛ إذ حكم الفعل، لمّا تبع الاسم، حكم الاسم؛ لأن الأصل في الكلام، الأسماء. والأفعال فروع عليها؛ بدليل أن الكلام يستقل من الاسم، ولا فعل معه. وإذا كان كذلك صح أن قوله: حبذا: مرفوع بالابتداء.
  وفي (حبذا) بهذه اللفظة، دليل على أن الفاعل يجري من الفعل، كأحد حروفه. ولهذا المعنى بقّوه في المذكر، والمؤنث، على لفظة واحدة، ولم يقولوا: حبذه؛ لأنه يراد [١٣٢ / ا] به الجنس فيما بعده، ويجري (ذا) من (حبّ) كحرف من حروفه.
  وقول أبي الفتح، أولا، حبذا زيد: حبذا: مرفوع بالابتداء، وزيد: خبره، هو على الوجه الذي قدّمنا. وقوله: من بعد (حبذا) يجري مجرى (نعم) يعني في قولهم:
  ٣١٦ - يا حبّذا القمراء، ... والليل السّاج(٤)
  كما تقول: نعم الرجل. فإن قولك: نعم الرجل، تقديره: نعم الرجل زيد، فحذف للعلم به.
  قال الله تعالى: {إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}(٥)، أي: أيوب فحذف للعلم به. قال الله
(١) ١٥: سورة الحجر ٢٢.
(٢) ٣: سورة آل عمران ٣١.
(٣) وهي قراءة أبي رجاء العطاردي. الكشاف ١: ١٨٤، والبحر المحيط ٢: ٤٣١.
(٤) من الرجز، وبعده:
... وطرق مثل ملاء النّسّاج
وهو بلا نسبة في مجمع البيان ١٠: ٥٠٤.
(٥) ٣٨: سورة ص ٤٤.