كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب عسى

صفحة 315 - الجزء 1

  تعالى: {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ}⁣(⁣١)، فيجوز أن يكون (الذين) جرا، صفة للقوم.

  والمخصوص بالذم محذوف. والتقدير: بئس مثل القوم المكذبين بآيات الله، مثلهم. ويجوز أن يكون التقدير: بئس مثل القوم، مثل الذين. فحذف المضاف، وارتفع الذين؛ لقيامه مقام المضاف. فأما قوله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا}⁣(⁣٢) ف (ما) موصول. والجملة: وصل له. و (أن يكفروا) هو المخصوص بالذم. والتقدير: بئس المشترى به أنفسهم، كفرهم. وقد قدر قوم (ما) منكورا، في تقدير: شيء. والجملة: وصف له، والوجه الأول. ومثله قوله تعالى: {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ}⁣(⁣٣)؛ أي: نعم الذي يعظكم به وعظه. فحذف المخصوص بالمدح. ويجوز: نعم شيئا يعظكم به وعظه. فتكون الجملة وصفا.

  والفصل بين نعم، وما عمل فيه، قد جاء بالظرف، نحو قوله: {بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً}⁣(⁣٤). ولم يجيزوا في التعجب، نحو: ما أحسن اليوم زيدا. وعلى هذا القياس، جائز. أعني: بئس اليوم، الرجل زيد.

باب عسى

  اعلم أنّ (عسى) فعل، غير متصرف. وإنما قلنا: غير متصرف؛ لأنه للطمع، والإشفاق، فأشبه (لعلّ). و (لعلّ) لم يتصرف؛ لأنه للطمع، ولأنه حرف. فكذلك ما يشبهه، وجب أن لا يكون متصرفا. و (عسى) هاهنا، بمنزلة (لعل) فلهذا، قلنا: لا يتصرف. و (كاد) و (عسى) من باب واحد. و (كاد) للمقاربة، و (عسى) أيضا للمقاربة. إلا أن (كاد) أشدّ مقاربة من (عسى) لأن (كاد) للحال، و (كاد) [١٣٢ / ب] مشبّه ب (عسى) و (عسى) مشبه ب (لعل) وقد يقال: كاد يكاد، ويجيء منه المستقبل.

  [فإن قلت]: لم جاء المستقبل من (كاد) ولم يجئ من (عسى)؟.

  [الجواب]: أنا نقول: (عسى) مشبه، ب (لعلّ) و (كاد) مشبه ب (عسى) ف (عسى) بمشابهته الحرف، أقرب، وأولى؛ فقلنا: إنه لا يجيء منه المستقبل. فأما (كاد) فمشبه ب (عسى) فجاز أن يأتي منه المستقبل. ولمعنى آخر، وهو: أنّ (عسى) لا يكون إلا للطمع. والطمع لا يصح إلا في الاستقبال.

  فأما الطمع فيما مضى، من الأزمنة، فمحال. فلما كان كذلك، قلنا: إنه يبنى منه (فعل) ولا يبنى منه المستقبل؛ لأن الماضي أخف من المستقبل، لأن في المستقبل، حرفا زائدا، على الماضي؛ فاخترنا الماضي لخفته، واكتفينا بأن يقوم في الدلالة على المستقبل، لأن (أن) من دلالات المستقبل، فاكتفينا به، لأنه بمعنى الطمع. والطمع يصح في المستقبل، لأنا لو قلنا: إنه يبنى منه فعل المستقبل، فيقال (يعسو) كان يقع على الحال، وعلى الاستقبال. والطمع لا يصح في الحال.


(١) ٦٢: سورة الجمعة ٥.

(٢) ٢: سورة البقرة ٩٠.

(٣) ٤: سورة النساء ٥٨.

(٤) ١٨: سورة الكهف ٥٠.