كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب عسى

صفحة 316 - الجزء 1

  فيقال: إنه يبنى على صيغة لا تحتمل إلا شيئا واحدا، فبنيناه على الفعل الماضي، وإن كان للاستقبال.

  واعلم أنّ (عسى) إنما منع التصرف، لأنه تضمن معنى (لعلّ). فلما دل على معناه، وتضمنه، وهو الطمع، فمنع التصرف؛ لأن الحروف وضعت للمعاني، والأفعال وضعت لدلالتها على الزمن، والحدث. والأسماء وضعت لدلالتها على المسميات. فإذا رأيت فعلا تضمن ما يدل عليه الحرف؛ فإنه يمنع عن التصرف، وإذا رأيت اسما تضمن معنى الحرف الذي يدل عليه، فإنه يمنع التصرف.

  واعلم أنّ (عسى) يرفع الاسم، وينصب الخبر. إلا أن خبره، لا يكون إلا فعلا مستقبلا يدخله (أن). تقول: عسى زيد أن يقوم. فوقوع الفعل، بعد (عسى) أظهر للمقصود. ولأن (عسى) إنما وضع للطمع، والمقاربة. والطمع في الاستقبال يوجد. فقلنا: إنّ خبره ينبغي أن يكون فعلا مستقبلا؛ ليكون أقرب إلى المعنى؛ لأنه، لما غيّر من المستقبل، إلى الماضي، احتاج [١٣٣ / أ] إلى شيء يعرف به. و (أن) معناه: الاستقبال. فما وجدناه إلا أن يدخله (أن) لأنّ (أن) يدخل على الأفعال المستقبلة. ولا يجوز أن تقول: عسى زيد قائما، لما ذكرناه؛ وإن أتى في الأصل المرفوض: (عسى الغوير أبؤسا)⁣(⁣١). فعلم بهذا أن خبر (عسى) في موضع النصب. وكان من الواجب أن يقال: عسى الغوير أن يبأس. إلا أنهم ذهبوا إلى أصل مرفوض.

  واعلم أنّ (كاد) يشبّه ب (عسى) بأن يدخل على خبره (أن). فتقول: كاد زيد أن يقوم.

  و (كاد) خبره لا يكون إلا حالا. و (عسى) أيضا، يشبّه ب (كاد). فتجعل خبره فعلا، حالا.

  تقول: عسى زيد يقوم. وإنما اختص الحال ب (كاد) لأن (كاد) للمقاربة. والحال أقرب إليه من غيره، فاختصّ به.

  و (عسى) و (كاد) يرفعان الاسم، وينصبان الخبر. والدليل على أنّ (كاد) يدخل على خبره (أن) فتقول: كاد زيد أن يقوم [قول الشاعر]:

  ٣١٧ - قد كاد من طول البلى أن يمصحا⁣(⁣٢)

  واعلم أنّ (عسى) يدخل عليها الضمير، ويتأكد شبهيتها ب (لعل). ثم عند ذلك، ينصب الاسم، ويرفع الخبر. فتقول: عساني أفعل. وهذا لا يكون إلا في المضمرات. فأما في المظهرات، فلا [قال الشاعر]:

  ٣١٨ - ولي نفس، أقول لها إذا ما ... تنازعني: لعلّي، أو عساني⁣(⁣٣)


(١) مجمع الأمثال (٢: ١٧) (رقم ٢٤٣٥).

(٢) من الرجز، لرؤبة، وقبله:

... رسم عفاه الدهر طولا فامّحى

وهو في: ديوانه ١٧٢، والكتاب ٣: ١٦٠، والإنصاف ٢: ٥٦٦.

(٣) البيت من الوافر، لعمران بن حطان، في: الكتاب ٢: ٣٧٥، والتحصيل ٣٣٧٥، وابن يعيش ٣: ١٠، ١١٨، ١٢٠، ٧: ١٢٣.

وبلا نسبة في: المقتضب ٣: ٧٢، والخصائص ٣: ٢٥.