كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب كم

صفحة 317 - الجزء 1

  لما كان معه نون العماد، دل، أنه منصوب. والتقدير: عساني أنازعه. فالياء: اسم (عسى) وهو في موضع النصب. وأنازعه: خبره، وهو في موضع الرفع.

  [فإن قلت]: إنكم قلتم: إنّ خبر المبتدأ، مشبّه بالفاعل. والفاعل لا يجوز حذفه، فكذلك خبر المبتدأ المشبّه به، وجب أن لا يحذف، وقد حذفتم، هاهنا.

  [الجواب]: قلنا: هو مشبّه بالفاعل؛ ولكن، هاهنا، لما أعمل فيه الحرف، خرج عن شبهية الفاعل؛ فجاز حذفه.

  واعلم أنك تقول: عسى زيد أن يقوم. ف (زيد) اسم (عسى). وأن يقوم: خبره. [وإن شئت]، قدم (زيدا) الذي هو الاسم، هاهنا: فتقول: زيد عسى أن يقوم. وفي التثنية: الزيدان عسيا أن يقوما. وفي الجمع: الزيدون عسوا أن يقوموا. فتظهر الضمير؛ لأن في (عسى) ضمير زيد؛ فدخل عليه [١٣٣ / ب] الضمير. وكذلك في المؤنث، تقول: هند عست أن تقوم. والهندان عستا أن تقوما. والهندات عسين أن يقمن. ويجوز أن تجعل: أن يقوم: اسم (عسى) وإذا جعلت (أن يقوم) اسم (عسى) وأقمته مقامه؛ فإنه يستغني عن الخبر. لأنّ (أن يقوم) يدل على القيام. فتقول في هذه الصورة: عسى أن يقوم زيد. فإذا قدمت (زيدا) في هذه الحالة، تقول: زيد عسى أن يقوم، والزيدان عسى أن يقوما، والزيدون عسى أن يقوموا. لأن (أن يقوم) هي الفاعلة، والضمير فيها، كما ذكر أبو الفتح، في الكتاب، والله أعلم.

باب كم

  اعلم أن (كم) اسم مفرد، لعدد مبهم. وهو مبني على السكون. وإنما بني، لأنه تضمن معنى الحرف الذي هو همزة الاستفهام. فبني؛ لأن الاسم، إذا تضمن معنى الحرف يبنى. و (كم) هاهنا، في الاستفهام، تضمن معنى همزة الاستفهام. لأنك، إذا قلت: كم غلاما جاءك؛ فكأنك قلت: أعشرون أم ثلاثون، أم عشرة. فلما تضمن ذلك بني. هذا، إذا كان استفهاما، فأما إذا كان خبرا، فإنه يبنى، أيضا: لأنه، هناك، محمول على نقيضه. ونقيضه (ربّ) لأن (كم) للتكثير، و (ربّ) للتقليل، و (ربّ) مبني؛ فكذلك، أيضا، ما هو نقيضه، وجب أن يكون مثلها؛ لأنه قد جرت، من عادة العرب، حمل النقيض على النقيض، والنظير على النظير. وإذا كان خبرا، فإنه يكون له صدر الكلام؛ ك (ربّ) سواءا.

  [فإن قلت]: ولم قلتم: إنّ (ربّ) لها صدر الكلام؟.

  [الجواب]: لأن (ربّ) للتقليل، والتقليل كالنفي. وللنفي، والاستفهام، صدر الكلام، اعتناءا بهما. فإذا قلت في الاستفهام: كم غلاما جاءك. فإن (كم) موضعه: رفع بالابتداء. و (غلاما) نصب على التمييز. و (جاءك) رفع، خبر المبتدأ.

  و (كم) مع ما بعده، بمنزلة: أحد عشر، إلى تسعة وتسعين. ويكون ما بعدها منصوبا، كما كان منصوبا في الأعداد.

  [فإن قلت]: ولم شبهتموه بالأعداد؟.