المبحث الرابع المذهب النحوي لجامع العلوم وآراؤه
  أن الابتداء كما عمل في الاسم، عمل في الخبر(١)؛ لأن كل ما كان عاملا في الأول من هذا النحو، عمل في الثاني، ألا ترى أن قولك: ظننت زيدا قائما؛ لما نصب (ظننت) الأول نصب الثاني.
  وكذلك: إن زيدا قائم؛ لما عمل (إن) في الأول عمل في الثاني، وكذلك: كان زيد قائما؛ لما عمل (كان) في الأول، عمل في الثاني.
  فكذا هاهنا.
  فأما قولهم: لم يضرب زيد؛ ف (لم) ليست من عوامل الأسماء؛ وإنما هي من عوامل الأفعال، وكان قبل دخولها (يضرب زيد)؛ فعل وفاعل، عمل الأول في الثاني، فدخلت (لم) في الفعل، وأدى ما اقتضاه فليس هو مما نحن فيه بشيء.
  قال المبرد: لو كان العامل الابتداء، لم يجز أن يدخل عليه عامل آخر ألا ترى أن (ظننت) لما كان عاملا، لم يدخل عليه عامل آخر.
  قلت: هذا لا يصح من أبي العباس؛ لأنه سلم أن الابتداء عامل، ولا يصح من غيره أيضا؛ لأنا ذكرنا أن الابتداء عامل معنوي. فاذا جاء عامل لفظي تسلط عليه وكانت الغلبة له فاعرفه(٢).
  وكتاب (الجواهر) لجامع العلوم، وقد بناه على قواعد كلية في تسعين بابا، كما يقول هو: «أخرجتها من التنزيل بعد فكر وتأمل، وطول الإقامة على درسه»(٣)، تزدحم فيه أقوال النحويين وآراؤهم، وتعظم عنده الفائدة؛ إذ لا أظنك وقد سرحت نظرك في هذا الكتاب إلا أتممته؛ لما يأخذك به من سحر نقاشه وجمال عبارته، وطريف أسراره.
  وها أنا أنقل من الباب الحادي والعشرين، طرفا من ذلك(٤).
  قال جامع العلوم: «هذا باب ما جاء في التنزيل من الظروف التي يرتفع ما بعدهن بهن على الخلاف د، وما يرتفع ما بعدهن بهن على الاتفاق(٥)، وهو باب يغفل عنه كثير من الناس».
  فأما الذي اختلفوا فيه، فكقوله: {وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ}(٦)،: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ}(٧).
  ف (عذاب) في هذا ونحوه، يرتفع بالابتداء عند سيبويه.
  والظرف قبله خبر عنه، وهو (لهم).
  وعند أبي الحسن والكسائي: يرتفع (عذاب) بقوله: (لهم) لأن (لهم) ناب عن الفعل.
  ألا ترى أن التقدير: وثبت لهم. فحذف (ثبت) وقام (لهم) مقامه، والعمل للظرف لا للفعل.
  ومثله: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ}(٨). وهو على هذا الخلاف، وغلط أبو إسحاق في هذا، فقال:
(١) الكتاب ٢: ١٢٦، ١٢٧، وقد ذكر جامع العلوم كلام سيبويه بالمعنى، ينظر: شرح اللمع لجامع العلوم ٧٠.
(٢) شرح اللمع لجامع العلوم ٧٠.
(٣) الجواهر ٣: ١٠٩٢.
(٤) نفسه ٢: ٥١١.
(٥) يعني: الخلاف والاتفاق بين النحويين.
(٦) ٢: سورة البقرة ٧.
(٧) ٢: سورة البقرة ٨.
(٨) ٢: سورة البقرة ٧٨.