المبحث الرابع المذهب النحوي لجامع العلوم وآراؤه
  ارتفع (أميون) بفعل(١)، كأن المعنى: واستقر منهم أميون.
  قال أبو علي: ليس يرتفع (أميون) عند الأخفش بفعل؛ إنما يرتفع بالظرف الذي هو (منهم)(٢).
  ومذهب سيبويه أنه يرتفع بالابتداء، ففي (منهم) عنده ضمير، لقوله (أميون) وموضع (منهم) على مذهبه: رفع لوقوعه موقع خبر الابتداء.
  وأما على مذهب الأخفش، فلا ضمير لقوله (أميون) في (منهم) ولا موضع له عنده، كما أنه لا موضع ل (ذهب) من قولك: ذهب فلان.
  وإنما رفع الأخفش الاسم بالظرف في نحو هذا؛ لأنه نظر إلى هذه الظروف فوجدها تجري مجرى الفعل في مواضع وهي أنها تحتمل الضمير، كما يحتمله الفعل، وما قام مقامه من أسماء الفاعلين، وما شبه به.
  ويؤيد جامع العلوم قول الأخفش هذا، فيقول: «والدليل على أن قولهم زيد في الدار، في الظرف ضمير، والظرف هو العامل في ذلك الضمير امتناع تقديم الحال عليه، في قولك زيد قائما في الدار لأن العامل غير متصرف، وهو الظرف دون الفعل، ولا عبرة بالفعل؛ لأنه يجوز: قائما في الدار زيد كما يجوز: قائما استقر زيد، فعلم أنه لا عبرة بالفعل؛ ولأنه قال: {إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ}(٣) و: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً}(٤) و: {أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى}(٥). فأدخل (إنّ) على الظرف وهي لا تلي الفعل فثبت أنه لا عبرة بالفعل، وهذه الآي دليل سيبويه(٦) من أنه لا يرتفع الاسم بالظرف حيث يقول الأخفش لأن الظرف دخل عليه (إن) فلو كان يرتفع كما يرتفع الفعل، لم يدخل عليه (إن) كما لا يدخل على الفعل(٧).
  وأقطف من باب ما جاء في التنزيل من المضاعف وقد أبدلت من لامه حرف لين(٨)، من نحو قوله تعالى: {لَمْ يَتَسَنَّهْ}(٩) و: {ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} (٣٣)(١٠) و: {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ}(١١).
  قال جامع العلوم: «قال سيبويه: وكل هذا التضعيف فيه عربي جيد»(١٢).
(١) مجمع البيان ١: ١٤٤. والذي فيه: «قال الزجاج: يرتفع (أميون) بالابتداء، و (منهم) الخبر». وينظر: شرح اللمع لجامع العلوم ١٢١.
(٢) مجمع البيان ١: ١٤٤.
(٣) ٥: سورة المائدة ٢٢.
(٤) ٢٤: سورة النور ٤٤.
(٥) ١٦: سورة النحل ٦٢.
(٦) الكتاب ١: ٥٥. ولم تكن هذه الآي في كتاب سيبويه، وإنما عنى جامع العلوم، ما عبر عنه سيبويه في هذا المورد، حيث قال: (وتقول ... ليس أحد فيها خير منك، إذا جعلت (فيها) مستقرا، ولم تجعله على قولك: فيها زيد قائم).
(٧) شرح اللمع لجامع العلوم ١٤١
(٨) الجواهر ٢: ٥١٦.
(٩) نفسه ٣: ٨٠. ٢: سورة البقرة: ٢٥٩.
(١٠) ٧٥: سورة القيامة ٣٣.
(١١) ٢: سورة البقرة: ٢٨٢.
(١٢) الكتاب ٤: ٤٢٤.