كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب العدد

صفحة 334 - الجزء 1

  ومنهم من قال: إن العين، إنما كسرت من عشرين [١٤٣ / ب]، لأن (عشرين) عقد ثان، من العشرات. كما أن (الاثنين) عقد ثان من الآحاد. فلما كان أولّ (اثنين) ألف مكسور، فكذلك، أيضا (عشرون) الذي هو العقد الثاني، من العشرات، شبّه بألف الاثنين، وكسر. وهما باطلان.

  أما الأول: فباطل ب (ثلاثون) و (أربعون) و (خمسون) وغير ذلك. لأن كل عقد منها، يقع على المذكر، والمؤنث جميعا، ثم لا يصار إلى ما ذكره.

  وأما القول الثاني: فباطل، أيضا. لأن ألف (اثنين) ألف وصل، وهي زائدة. وعين (عشرين) أصلية، فلا يجوز قياس ما هو الأصلي، على ما هو الزائد.

  بل الصحيح المعتمد عليه، في (عشرين) أن يقال: إنه اسم، وضع للأعداد المعلومة، ليس بجمع عشرة. وهو عقد مستجد لهذه الأعداد. والواو، والياء لا يدخلان؛ على أنه: جمع. ألا ترى أنك، لو سميت رجلا: بقنّسرون⁣(⁣١)، ويبرون⁣(⁣٢)، فإنهما يتغيران في حال الرفع، والنصب، بالواو، والياء؛ ثم لا يدل ذلك على أنه جمع. فكذا، هاهنا، وجب أن يكون، كذلك.

  والدليل، على أنه ليس بجمع، هو أنه، لو كان جمعا، لعشرة، لكان محمولا على أدنى الجمع، أو الكثرة. فلا يحمل على أدنى الجمع، لأن في هذا: القياس يقتضي أن يحمل على أدنى الجمع، وهاهنا، يقتضي القياس أن يكون أدنى الجمع (ثلاثون). وأكثر الجمع، ما يستغرق العشرات، وهو مئة. فإذا لم يجز حمله، لا على (ثلاثون) الذي هو أدنى الجمع، ولا على المئة، الذي هو أكثر الجمع؛ علم، بهذا، أنه ليس بجمع، وأنه اسم موضوع لهذا العدد، ويتضح بمثال. ألا ترى أنه، لو قال: لفلان عليّ دراهم. فإنه، يحمل على أدنى العدد. قال، فيوجب القاضي عليه: ثلاثة دراهم؛ لأنه: أدنى الجمع.

  ومنهم، من قال: يحمل على أكثر العدد؛ فيوجب عليه العشرة. فإذا قال: لفلان علي الدراهم، قال: فإنه يجب عليه أكثر الجمع، وهو العشرة. وذلك، لأنه، لما ذكره بالألف، واللام، وهما لاستغراق الجنس، اقتضى ذلك أن يوجب عليه، ما يستغرق الدراهم، ويقع عليه الدراهم.

  والدراهم؛ إنما يقال فيما دون العشرة.

  فأما [١٤٤ / أ] فيما فوق العشرة؛ فإنما يقال (درهم). فيقال: اثنا عشر درهما، وثلاثة عشر درهما. فعلى هذا، إذا كان (عشرون) جمع (عشرة) يقتضي أن يكون (عشرون) عشر مرات (عشرة). كما أن العشرة: عشر مرات واحدة، فيقتضي أن يكون أقلّ جمعه (ثلاثين) وأكثره مئة، كما قال في العشرة، والآحاد، وذلك لأن في الآحاد، أقلّ الجمع: ثلاثة، وأكثره: عشرة. فإن


(١) قنسرون: أو قنسرين: كانت هي وحمص شيئا واحدا، فتحها أبو عبيدة بن الجراح سنة ١٧ هـ. وقيل سميت قنسرين؛ لأن ميسرة بن مسروق العبسي مرّ عليها فلما نظر إليها قال: ما هذه؟ فسميت له بالرومية. فقال: والله، لكأنها قن نسر، فسميت: قنسرين. ينظر: معجم البلدان ٤: ٤٠٣.

(٢) يبرون، أو بيرين: اسم لعدة أماكن، وأشهرها أنها قرية من قرى حلب، ثم من نواحي عزار، ينظر معجم البلدان ٥: ٤٢٧، والكتاب ٣: ٣٧.