كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب العدد

صفحة 336 - الجزء 1

  الصفة لا يغير الأصل؛ فكذلك: ثلاث من الشياه ذكور؛ لأن (من) لتحقيق الإضافة. وتقول: عندي ثلاث أعين من الرجال؛ لأن العين مؤنث. وثلاثة أشخص من النساء؛ لأن الشخص مذكر وثلاثة أنفس، وثلاث أنفس فيه التذكير، والتأنيث؛ لأن النفس جاء فيه الوجهان. [قال الشاعر]:

  ٣٣٠ - ثلاثة أنفس، وثلاث ذود ... لقد جار الزّمان على عيالي⁣(⁣١)

  وتقول: هذه عشر أبطن؛ فتؤنث؛ لأن المعنى: القبائل، فذهب به، مذهب التأنيث. [قال الشاعر]:

  ٣٣١ - وإنّ كلابا، هذه عشر أبطن [١٤٥ / أ] ... وأنت بريء من قبائله العشر⁣(⁣٢)

  وتقول: سرنا خمس عشرة، من بين يوم، وليلة. فتؤنث؛ لأن الليالي لها الغلبة، في باب التواريخ. وقيل: لأن ابتداء الشهر بالليلة. قال الله تعالى: {أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً}⁣(⁣٣)، أي: وعشر ليال.

  فأنث لهذا المعنى. وقالوا: أعطاه خمسة عشر من بين عبد، وجارية؛ لأنه ليس فيه ما في الأول من التاريخ. [قال الشاعر]:

  ٣٣٢ - فطاف ثلاثا بين يوم، وليلة ... وكان النكير أن تضيف، وتجأرا⁣(⁣٤)

  واعلم أنك لا تقول: ثلاثة بشر، وثلاثة قوم؛ لأن (بشرا) يقع على الواحد، والجمع. قال الله تعالى: {ما هذا بَشَراً}⁣(⁣٥). وهو في المفرد، وقال: {ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا}⁣(⁣٦)، وهو جمع. فلما كان كذلك؛ لم يستجيزوا إضافة العدد إليه. وأما (قوم) فالأصل فيه المصدر، والمصادر تقع، على القليل، والكثير، فلم تجز الإضافة إليه. وتقول: ثلاثة رجلة، لأنه صار بدلا من رجال، في هذا الوجه.

  واعلم أنك تشتق من العدد، أسماء الفاعلين، فتضيفه إلى لفظ الأعداد، كقولك: عندي ثاني اثنين، وثالث ثلاثة، ورابع أربعة، إلى قولك: عاشر عشرة. قال الله تعالى: {ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ}⁣(⁣٧). وقال، حكاية عن الكفرة: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ}⁣(⁣٨). ومعنى هذا الكلام: أحد اثنين، وأحد ثلاثة [وكذلك]⁣(⁣٩) خامس أربعة، على معنى: صيّر الأربعة خمسة [وا]⁣(⁣١٠) لتنوين هو الوجه. والإضافة جائزة وفي الأول، الإضافة هو الوجه.

  ويجوز، خامس أربعة، ورابع ثلاثة، ولا يجوز: ثاني واحد، لأن الواحد ليس من العدد، ولا


(١) سبق ذكره رقم (٣٢٩).

(٢) البيت من الطويل، بلا نسبة في: الكتاب ٣: ٥٦٦، والتحصيل ٥٢٤، ومعاني القرآن - للفراء ١: ١٢٦، والمقتضب: ١٤٨، والخصائص: ٤١٧، والإنصاف: ٧٦٩، والخزانة ٧: ٣٩٥.

(٣): سورة البقرة ٢٣٤.

(٤) البيت من الطويل، للنابغة الجعدي، في: ديوانه ٦٤، والكتاب ٣: ٥٦٣، والتحصيل ٥٢٤، والخزانة ٧: ٤٠٧، ٤٠٨، ٤١١، ٤١٣.

(٥) ١٢: سورة يوسف ٣١.

(٦) ٣٦: سورة يس ١٥.

(٧) ٩: سورة التوبة ٤٠.

(٨) ٥: سورة المائدة ٧٣.

(٩) الأصل غير واضح.

(١٠) الأصل: بياض.