المبحث الرابع المذهب النحوي لجامع العلوم وآراؤه
  إذا قلت: تسنيت، وأمللت، وتسريت، «وقد جعل سيبويه الياء في (تسريت) بدلا من الراء، وأصله: تسررت، وهو من السرور، فيما قاله الأخفش؛ لأن السرية يسر بها صاحبها».
  وقال ابن السراج: «هو عندي من (السر)، لأن الإنسان يسر بها ويسترها عن حزبه كثيرا.
  والأولى عندي أن يكون من (السر) الذي هو النكاح»(١).
  ٣ - رد جامع العلوم على سابقيه آراءهم:
  لقد كان جامع العلوم، واسع الاطلاع في علوم شتى من علوم العربية ولا سيما علم النحو، وقد أسلفنا وصف الشيخ الطبرسي، معاصره إياه بأنه (واحد زماننا في هذا الفن)، لذا كانت له جولات مع جميع النحويين الذين سبقوه، وكان كثيرا ما يصف آراءهم بعدم الصحة، والفساد، والسهو، والغلط، إذ لم يسلم أحد منهم من هذه الأوصاف، عدا سيبويه، فقد كان، فيما يبدو لي يجله ويكبره أيما إجلال.
  وأنا إذ أورد بعض جولاته، مع بعض النحويين؛ فإنما أسوقها من باب ضرب المثل؛ ذلك أن كتبه التي اطلعت عليها(٢)، تحوي الكثير من تلك الردود والجولات؛ أنتخب لك من كل ذلك هذه الشذرات.
  أ - رده على أبي الفتح
  عرف أبو الفتح (المفعول المطلق، وهو المصدر) فقال: «كل اسم دل على حدث، وزمان مجهول»(٣).
  قال جامع العلوم: هذا كلام يخالف فيه كلام سائر البصريين(٤)، وذلك؛ لأنهم زعموا أن مدلول المصدر؛ إنما هو الحدث، فحسب، والفعل؛ إنما صيغ ليدل على الحدث والزمان جميعا، فلو كان المصدر يدل عليهما لم يحتج إلى صيغ الأفعال.
  وربما يقول أبو الفتح، في جواب ذلك أن الفعل يدل على الحدث، والزمان المخصوص، والمصدر يدل على الحدث، والزمان المجهول؛ فيقال له: إن هذا الزمان المجهول، لا ينفك عنه
(١) وإلى رأي جامع العلوم أذهب فقد ذكر جمع من المفسرين أن (سرا) في قوله تعالى: {وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا} (٢: سورة البقرة ٢٣٥) يعني النكاح. قال الزمخشري: والسر: وقع كناية عن النكاح الذي هو الوطء؛ لأنه مما يسر.
وقال امرؤ القيس:
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني كبرت ... وأن لا يحسن السر أمثالي
وقال الأعشى:
ولا تقربنّ جارة، إن سرها ... عليك حرام، فانكحن أو تأبدا
ينظر: تفسير الزمخشري ١: ٣٧٣، ومجمع البيان ٢: ٣٣٨، وتفسير القرطبي ٣: ١٩٠، ١٩٢ وديوان أمرئ القيس ١٥٩، وديوان الأعشى ١٣٧.
(٢) وهي: الجواهر، والكشف، وشرح اللمع.
(٣) شرح اللمع لجامع العلوم ١٤١.
(٤) الإنصاف (مسألة ٢٨) ١: ٢٣٥، ٢٣٧، والأشموني ٢: ٣٤١ - ٣٤٦.