كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب الجمع

صفحة 339 - الجزء 1

  فمن ذلك، قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ}⁣(⁣١)، فالهاء، في بطونه، يعود إلى الأنعام، لأنه (أفعال) وقد جرى مجرى الآحاد. وقال تعالى: {وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ}⁣(⁣٢)، ولم يقل (فيها) لأن (أزواجا) (أفعال). وقال {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ}⁣(⁣٣)، أي: من مثل الأنداد. وقد قالوا: ثوب أسمال، وحبل أرمام، وملحفة أخلاق فجعلوها وصف المفرد، وقد صغروها تصغير، الآحاد، فقالوا: أنعام، وأنيعام. ولو كان حكمه حكم الجمع، لردّ إلى الواحد، ويصغّر الواحد، ويجمع بالواو، والنون، أو بالألف، والتاء؛ لأن الجموع، إذا صغّرت، فهذا حكمها. كقولك، في تصغير: فقراء: فقيرون. وفي تصغير: شعراء: شويعرون.

  فأما الأسماء الثلاثية، فهي عشرة أبنية. وكان حكم التركيب، اقتضى اثني عشر بناءا؛ لأن الفاء، والعين، واللام، إذا حرّك الفاء، والعين بحركتين متفقتين، أو مختلفتين، أو إذا سكّن العين، جاء منه اثنا عشر بناءا. ألا ترى، أنك تسكّن العين، وتفتح الفاء، أو تضمه، أو تكسره، فتقول: فعل، مثل: فلس، و: فعل، مثل: قفل: وفعل، مثل: كحل. أو تفتح العين، أيضا: فتقول: فعل، مثل: جبل، أو تضمهما، فتقول: فعل، مثل: عنق. أو تكسرهما، فتقول: فعل، مثل: إبل. أو تفتح الفاء، وتضم العين، فتقول: فعل، نحو: عضد. أو تفتح الفاء، وتكسر العين، فتقول: فعل، ككبد، وكتف. أو تكسر الفاء، وتفتح العين، [١٤٧ / أ] فتقول: فعل، كضلع، وقمع أو تضم الفاء، وتفتح العين، فتقول: فعل، كصرد، ونغر، فهذه عشرة مستعملة.

  فأما كسر الفاء، وضم العين: فعل، أو ضم الفاء، وكسر العين: فعل؛ فمطّرحتان في الأسماء، غير مستعملتين. وقد جاء منه: دئل. ومنه نسبة أبي الأسود الدؤلي⁣(⁣٤)، عند النحاة. وقال أصحاب كتب الأنساب؛ إنما هو أبو الأسود الدّئلي، بكسر الدال، وفتح الهمزة. ودئل؛ بضم الدال: قبيلة أخرى، غير قبيلة أبي الأسود.

  وأبنية الجموع، على ثلاثة عشر بناءا: فعل، فعل، فعلة، فعلة، أفعل، فعيل، فعال، فعول، فعالة، فعولة، فعلان، فعلان، أفعال.

  فأفعل، وأفعال: بناءان للقليل.

  وفعال، وفعول: أخوان، وهما للكثير. وفعال، وفعول، ومؤنثاهما، يجريان مجراهما. والثلاثي يجيء أكثره، على بناء هذه الأربعة. وفعول، وفعالة: أخوان. وليست: أفعل، وأفعال: أخوين؛ لأن ما يجيء على بنية: فعال، يجيء فيه، بعينه كثيرا: فعول، وفعلان. وفعلان، أيضا للكثير. وما لم يخصّ القليل، ولا الكثير منها؛ فهو اسم للجمع، ومنها: فعل، وفعل: إلا أن يكون مقصورا من:


(١) ١٦: سورة النحل ٦٦.

(٢) ٤٢: سورة الشورى ١١.

(٣) ٢: سورة البقرة ٢٣.

(٤) هو: ظالم بن عمرو بن سفيان (ت ٦٩ هـ). وهو واضع علم النحو بتعليم علي، ¥. وكان من تلامذته: يحيى بن يعمر، وعنبسة الفيل، وميمون الأقرن. أخبار النحويين البصريين ١٠ - ١٧، والخزانة ١: ٨١.