باب القسم
  قوله: عمرك، تقدير هذا الكلام: عمّرتك الله تعميرا، مثل تعميرك الله نفسك. فأضمر الفعل، والمصدر جميعا، وحذف المضاف، فصار: تعميرك الله، فحذفت الزيادة، فصار: عمرك الله. فالكاف: فاعل. والله: منصوب بالمصدر. ومعنى الكلام: وصفك الله بالبقاء، أو: ذكرك الله بالبقاء.
  وقال الأخفش: يجوز رفع لفظة الله، على أن يكون رفعا، بالمصدر. والكاف: مفعول في المعنى. أي: يذكرك الله بالبقاء، فيعمّرك. وحذف الزوائد، من هاهنا، له نظائر كثيرة [١٥١ / أ] منها، [قوله]:
  ٣٣٨ - ... ... بمنجرد قيد الأوابد هيكل(١)
  أي: بمنجرد ذي تقييد الأوابد. فحذف المضاف، والزوائد. وعمرك الله، في الحقيقة، ليس بقسم؛ لأنه لا يجاب بما يجاب به القسم. وزعم قوم، أنه في حكم القسم، ويجاب: بالاستفهام، والأمر، والنهي، وإن، وإلّا، ولمّا، بمعنى: إلا. وأنشد سيبويه، لابن أحمر، في إظهار الفعل، من: عمرك، واستعمالهم منه الفعل بالزوائد، [قال]:
  ٣٣٩ - عمّرتك الله الجليل، لأنّني ... ألوي عليك لو أنّ لبّك يهتدي
  هل لامني في صاحب صاحبته ... من حاسر أو دارع، أو مرتدي(٢)
  فأجاب هذا الكلام بقوله: هل لامني. [وقال الشاعر]:
  ٣٤٠ - عمّرتك الله، إلّا ما ذكرت لنا ... هل كنت جارتنا أيّام ذي سلم(٣)
  [وقال الآخر]:
  ٣٤١ - فقعدك أن لا تسمعيني ملامة ... ولا تنكئي قرح الفؤاد فييجعا(٤)
  لأنّ (قعدك) في هذا، بمنزلة (عمرك) لا قمت. لأن قولهم: قعدك الله؛ أي: وصفك الله بالبقاء، والدوام، والثبات. وتقول: عمرك قم، و: عمرك لا تقم. وقالوا في هذا المعنى: نشدتك الله إلا فعلت، ولما فعلت. قال الخليل: هذا كلام محمول على النفي؛ كأنه قال: ما سألتك بالله إلا فعلت. وذكر أبو علي: أنّ تقدير قوله: إلا فعلت؛ أي: إلا فعلك. ومعناه: إلّا أن تفعل، فحذفت
(١) البيت من الطويل، لامرئ القيس، وصدره:
وقد أغتدي والطير في وكناتها ...
وهو في: ديوانه ١٩، وابن يعيش ٣: ٥١، ٩: ٩٥، والخزانة ١: ٣٥١، ٣: ١٥٦، ٢٤٢، ٢٧٣، ٤: ٢٥٠.
وبلا نسبة في: الخصائص ٢: ٢٢٠.
(٢) البيتان من الكامل، لابن أحمر، في: ديوانه ٦٠، والكتاب ١: ٣٢٣، والخزانة ٢: ١٥.
وبلا نسبة في: التحصيل ٢٠٧، والمقتضب ٢: ٣٢٩.
(٣) البيت من البسيط: للأحوص الأنصاري، في شعره ١٩٩، والخزانة ٢: ١٣، ١٤.
وبلا نسبة في: الكتاب ١: ٣٣، والتحصيل ٠٧، والمقتضب: ٣٢٩، واللسان (عمر) ٤: ٦٠٢.
(٤) البيت من الطويل، لمتمم بن نويرة، في: ديوانه ١٩٩، والخزانة ٢: ٢٠، ١٠: ٥٤، ٥٥، ٥٦. وبلا نسبة في: المقتضب ٢: ٣٣٠. والرواية عند جميعهم: قعيدك، بدل: فقعدك.