كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

المبحث الرابع المذهب النحوي لجامع العلوم وآراؤه

صفحة 35 - الجزء 1

  مخلوق، إذ عليه أجرى الله العادة في خلق هذه الأشياء في هذه الأزمنة؛ فليس للمصادر به اختصاص.

  فلو قلت: «إن قولك (ضرب) يدل على الحدث، والزمان المجهول، قيل لك: زيد، يدل على الحدث والزمان المجهول / إذ في الزمان خلق، كما أن الضرب في الزمان حدث، ولو لزمت ذلك، لزمك أن تقول: إن الضرب يدل على الحدث، والزمان المجهول، والمكان الواقع فيه؛ لأنه لا يقع إلا في مكان.

  وفي المسألة إشكال، ولم يقولوا فيه أكثر، مما قلته لك»⁣(⁣١).

  ومن رده على أبي الفتح، ما ذهب إليه أبو الفتح من إعمال (إن) التي للتحقيق ب (ما) التي للنفي، على التشبيه، فنصب (عبادا) في قراءة ابن جبير⁣(⁣٢): {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ}⁣(⁣٣)، حيث قال أبو الفتح، هو كما تقول: ما الذين تدعون من دون الله عبادا أمثالكم⁣(⁣٤).

  قال جامع العلوم: «هذا كلامه، ولو كانت صحبته مع الشيخ⁣(⁣٥)، كما يدعيه، وأنه لم يفهم أحد كلام الشيخ فهمه وأنه أقام معه أربعين سنة⁣(⁣٦)، فإن تأثير الصحبة في هذه الآية لم يظهر، لأن الشيخ، |، ورضي عنه ذكر في الآية وجهين⁣(⁣٧). فأين منهما أبو الفتح ولم يفهمها، وأين قوله: أقمت معه أربعين سنة»⁣(⁣٨).

  ب - رده على أبي علي الفارسي:

  كان جامع العلوم عظيم الإجلال لأبي علي، مولعا بآثاره، بصيرا بدقائق كلامه، وإخراج نفائسه، ويلقبه: بفارس الصناعة⁣(⁣٩)، والفارس، وفارسهم⁣(⁣١٠). وأكبر دليل على احتفاله بأبي علي، كتابه الموسوم «الإستدراك على أبي علي» الذي ما يزال مفقودا.

  فمما رد وحاور واستدرك على أبي علي، ما جاء في قوله تعالى: {وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ}⁣(⁣١١)، فإن أبا علي قال: «لا أعلق قوله (أو من وراء حجاب) ب (يكلم) المنصوب؛ لأن في ذلك إعمال ما قبل (إلا) فيما بعده؛ وذلك ممتنع، ولكني أعلقه ب (يكلم)


(١) شرح اللمع لجامع العلوم ١٤١.

(٢) نفسه ١٢٤.

(٣) ٧: سورة الأعراف ١٩٤.

(٤) شرح اللمع لجامع العلوم ١٢٥.

(٥) يعني: أبا علي الفارسي.

(٦) جواب (لو) محذوف، وتقديره: لما وقع في هذا الخطأ؛ إذ قال جامع العلوم قبل هذا الكلام: إن قول أبي الفتح لا يصح، ينظر: شرح اللمع لجامع العلوم ١٢٥.

(٧) في نصب (عباد) هما: النصب على البدل، والنصب على الحال.

(٨) شرح اللمع لجامع العلوم ١٢٥، ١٢٧.

(٩) أي: صناعة النحو، ينظر: الجواهر: ٢: ٥٥٧.

(١٠) أي: فارس النحويين، ينظر: الجواهر: ٣: ٧٩٠، ٧٩١، وشرح اللمع لجامع العلوم: ١٦٣، ١٧٥.

(١١) ٤٢: سورة الشورى ٥١.