كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب الصلة والموصول

صفحة 357 - الجزء 1

  كانوا. وعند يونس تقديره: ككونهم. ويكون (كان) تامة.

  (قال أبو الفتح): والحروف الموصولة، ثلاثة (ما) و (أن) الخفيفة، و (أنّ) الثقيلة. ومعاني جميعها بصلاتها، المصادر. تقول: سرني ما قمت، أي: سرني قيامك. وعجبت مما قعدت، أي: عجبت من قعودك. قال الله تعالى: {وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ}⁣(⁣١)، أي: بتكذيبهم.

  (قلت): (ما) هذه: حرف، عندنا. وعند الأخفش⁣(⁣٢): اسم، لأنه يدخل عليه عوامل الأسماء.

  فصارت كالأسماء، نحو الباء، في: {وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ} والكاف، في: {كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا}⁣(⁣٣). وحروف الجر من خصائص الأسماء.

  قال: ولا يلزم أنه لا يعود إليه، من الصلة ضمير ظاهر، لأني أقدر الهاء في الصلة. ويكون الهاء كناية عن المصدر. فتقدير قوله: {كَما نَسُوا} أي: كما نسوه. فالهاء: كناية عن النسيان، وهو يعود إلى (ما) المنبئ عن النسيان.

  وإن قلتم: إنّ ضمير المصدر، ليس كصريحه، بدليل امتناع قولهم: مروري بزيد حسن، وهو بعمرو قبيح، قلت لكم: ضمير المصدر، وإن خالف صريحه في هذا، فلم يخالفه في تعدية الفعل إليه. ألا ترى: أنا نقول: أعجبني قيام قمته، فتعدى (قمت) إلى ضمير قيام، كما تقول: قمت قياما. وتقول: ضربته زيدا كما تقول: ضربت ضربا زيدا. [فضمير]⁣(⁣٤) المصدر، وصريحه غير مخالفين في هذا، بل هما متفقان. فلا وجه لإنكار إضمار هذا الهاء، في صلة (ما).

  [ثم]⁣(⁣٥): إنّ (ما) هاهنا، حرف، ودخول الجار عليه، إنما جاز، لأنه مع ما بعده في تأويل المصدر، فهو بمنزلة (أن) و (أنّ) حيث جاز دخول الجار عليه في قولك: عجبت من أن قمت لما كان في تأويل: قيامك، فهو إذن حرف. وقد نص عليه سيبويه⁣(⁣٦)، وقاسه (بأن).

  وإضمار العائد في صلته، دعوى فاسدة، إذ لم يظهر في موضع، ولا يحتاج إلى إضماره، في تصحيح الكلام. والكلام بدونه مستقيم. (١٥٨ / أ) ولو جاز لأحد ادعاء ذلك لجاز مثله الآخر، في (أن) وفي: أن لم يضمر أحد هاءا في صلة (أن) دليل على مثله في (ما) والمسألة طويلة، وقد ذكرتها في (الخلاف بين النحاة).

  وأما (أنّ) الثقيلة، فقد مضى ذكرها. وأما (أن) الخفيفة، فهي ناصبة للفعل. والفعل، بعدها أيضا صلتها تقول: أريد أن تقوم. ويجوز أن تعطف عليه فتقول: أريد أن تقوم وتضرب زيدا فتنصب: تضرب لأنه معطوف على الأول. لأن الضرب داخل في الإرادة، لأن إرادته إنما هي:

  الضرب، والقيام.

  (فإذا قلت): أريد أن أزورك فيمنعني البواب.

  (فالجواب): لا تنصب قوله: يمنعني لأنه كلام مستأنف مرفوع، وليس بعطف لأن المنع لا


(١) ٩: سورة التوبة الآية ٧٧.

(٢) وأبي بكر كذلك ينظر: المغني ١: ٣٠٥.

(٣) ٧: سورة الأعراف ٥١.

(٤) الأصل غير واضح.

(٥) الأصل بياض.

(٦) الكتاب ٣: ١٠٢.