كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب الاستفهام

صفحة 375 - الجزء 1

  و (أيان) بمعنى (متى) و (أنّى) بمعنى (متى) وقد يكون بمعنى (كيف).

  والحروف: الهمزة. وأم، وهل.

  اعلم أن أم الباب، في الاستفهام، إنما هو: الهمزة. وذلك لأنه بالهمزة يستفهم عن المعلوم، وغير المعلوم. يستفهم بها عن المعلوم، على سبيل التقدير، كما قال:

  أطربا، وأنت قنّسريّ .... (⁣١)

  وقد تحقق عنده أنه قنسري، ثم استفهم عن طربه، مع أنه قد تحقق عنده أنه قنسري. ولكن هذا الاستفهام، إنما كان على سبيل التقدير. وكذلك، أيضا، قال الله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} (١)⁣(⁣٢). وقد علم رسول الله، عليه الصلاة والسّلام، شرح صدره؛ ولكنه، إنما استفهم عنه تقريرا لهذا؛ فعلم أن أم الباب في الاستفهام، إنما هو الهمزة؛ لأنها يستفهم بها عن المعلوم، على سبيل التقرير، وعن المشكوك فيه على سبيل التوبيخ؛ بخلاف (هل) و (أم) وذلك لأنه يستفهم بها عن المعلوم؛ إذ لا فائدة فيه. [١٦٨ / ب]؛ ألا ترى أنك لو قلت: هل ضربت؟ فاستفهمت عن ضربه، وعلمت أن الضرب منه، فإنه لا يكون لهذا فائدة. وأما قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها}⁣(⁣٣)، ف (سأل) متعد إلى مفعولين. وهاهنا، المفعول الأول، في قوله (يسألونك) الكاف الذي للخطاب. والمفعول الثاني: الجار والمجرور، وقد استوفى مفعوليه. فأيان مرساها، محلّه ماذا؟

  [الجواب]: قلنا: أيان مرساها: بدل عن قوله: (عن السّاعة) فمحلّه: نصب، لأنه بدل عن المفعول الثاني. ويجوز أن يكون تفسيرا للساعة. فيكون تقديره: يسألونك عن الساعة، ويقولون: أيان مرساها.

  وأما (الهمزة) و (أم) فقد تقدم ذكرهما في باب العطف⁣(⁣٤).

  فأما (هل) فكقولك: هل قام زيد؟ وهل يقوم زيد؟ إذا كان للاستفهام، فجوابه في هذا الموضع (نعم) أو (لا) وقد يكون (هل) بمعنى (قد) كقوله تعالى: {هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ}⁣(⁣٥)؛ أي: قد أتى. و (هل) يكون مع ما بعدها بمنزلة الأمر، كما قال الله تعالى: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}⁣(⁣٦)؛ أي انتهوا.

  واعلم أن (من) و (ما) و (أيا) في الاستفهام نكرات غير موصولات. وإذا لم تكن موصولات


(١) من الرجز، للعجاج، وبعده:

والدهر بالإنسان دوّاريّ

في: ديوانه ٣١٠، والكتاب ١: ٣٣٨، والتحصيل ٢١١، والخزانة ١١: ٢٧٤، ٢٧٥.

وبلا نسبة في: المقتضب ٣: ٢٢٨، وشفاء العليل ١: ٤٥٦.

(٢) ٩٤: سورة الشرح ١.

(٣) ٧: سورة الأعراف ١٨٧.

(٤) ص ٢٥٥.

(٥) ٧٦: سورة الإنسان ١.

(٦) ٥: سورة المائدة ٩١.