المبحث الرابع المذهب النحوي لجامع العلوم وآراؤه
  فإن قلت: فإنا قد وجدنا من هذه الحروف، ما أعملت، وذلك كقول الشاعر:
  كأنه، خارجا، من جنب صفحته ... سفّود نشوى نسوه عند مفتاد(١)
  فأعمل (كأن) في (خارج) فكذا يجوز أن يعمل إلا فيما بعده.
  الجواب: (إلا) لا يشبه ب (كأن)؛ لأن (كأنّ) لما كان على لفظ الفعل، وكان دالا على التشبيه، اجتمع فيه وجهان من مشابهة الفعل، فجاز أن يعمل وليس في (إلا) إلا وجه واحد.
  ويجوز أن يقوى الشيء بجهتين، ولا يقوى بجهة واحدة كباب (ما لا ينصرف).
  فإن قلت: فقد حكى المبرد(٢): ألا ماءا باردا فأشربه، بنصب (ماء) وأعمل فيه معنى (ألا) من معنى التمني.
  الجواب: هذا محمول على فعل مضمر، وليس (ألا) عاملا فيه. والذي يبعد قول المبرد قولهم:
  جاء القوم غير زيد، بنصب (غير)، وليس هناك إلا الفعل؛ فثبت أنه مع (ألا) يعمل الفعل، كما يعمل مع غيره.
  ونحن إذ أوردنا هذه الردود، من خلال هذه النصوص لجامع العلوم، فلا بد لنا من وقفة نضع فيها بعض ما يأتي به في ميزان النقد والفحص، لنتعرف حقه وتقدمه فيما يدعيه ويدلي به، فنزن ونقوم ما يذهب إليه، من خلال إيراد الأمثلة الآتية:
  ١ - مع أبي عمر الجرمي:
  ذهب أبو عمر الجرمي إلى أن (المفعول له) لا يكون إلا نكرة(٣).
  فرده جامع العلوم؛ بأنه يكون نكرة ومعرفة.
  واحتج على أبي عمر، ونقض قوله بالشواهد الآتية:
  أ - قال الله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ}(٤). ف (حذر الموت) معرفة لأضافته.
  ب - قال حاتم الطائي:
  وأغفر عوراء الكريم، ادخاره ... وأعرض عن شتم اللّيم تكرّما
  ف (ادخاره) مفعول له، وهو معرفة لأضافته.
  ج - ثم إن جامع العلوم، لم يكتف بذلك؛ بل أشكل على نفسه في أن يكون المصدر مضافا إضافة غير محضة. فهو مضاف، ولكن في تقدير الانفصال، كما هو في اسم الفاعل العامل، نحو قوله تعالى: {هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا}(٥). ف (ممطر) مضاف ولكنه ليس بمعرفة، لأن إضافته في تقدير الانفصال، والتقدير: هذا عارض ممطر إيانا. ف (نا) مفعول به ل (ممطر).
  ودفع جامع العلوم هذا الإشكال، بأن هذا في اسم الفاعل جائز؛ لأن اسم الفاعل، دالا على
(١) شرح اللمع لجامع العلوم ١٩٤.
(٢) نفسه ١٩٥.
(٣) شرح اللمع لجامع العلوم ١٧٦.
(٤) ٢: سورة البقرة ١٩.
(٥) ٤٦: سورة الأحقاف ٢٤.