كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

المبحث الرابع المذهب النحوي لجامع العلوم وآراؤه

صفحة 39 - الجزء 1

  وبعد هذا الرد المبني على المسلمات في هذا الفن، عند الزجاج وغيره، قال جامع العلوم، واثقا مما قال: «وإذا تتبعت فليكن هكذا»⁣(⁣١).

  ٣ - مع أبي علي:

  ذهب أبو علي إلى أن (عاليهم) بإسكان الياء، من قوله تعالى: {عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ}⁣(⁣٢)، مبتدأ، و (ثياب سندس) خبره⁣(⁣٣).

  وصح (عاليهم) أن يكون مبتدأ، وهو مفرد، وخبره جماعة؛ لأنه اسم فاعل في موضع الجماعة.

  وذهب جامع العلوم إلى أن (عاليهم) وصف ل {وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ} ويرتفع {ثِيابُ سُندُسٍ} به.

  ولا يجوز أن يرتفع (عاليهم) بالابتداء، و {ثِيابُ سُندُسٍ} خبره، كما قاله أبو علي في الحجة؛ لكونه جاريا وصفا على (ولدان) وإن قال هو⁣(⁣٤) كقوله {سامِراً تَهْجُرُونَ} لم يصح ذلك⁣(⁣٥).

  وذهب أيضا إلى أن {عالِيَهُمْ} بالنصب حال من {وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ} أو من الهاء والميم في (عليهم).

  أقول: إن جامع العلوم لم يتأمل في سياق هذه الآية، وما أكتنفها من الآي، فوقع في أوهام شتى، وجلاء ذلك:

  ١ - إن {عالِيَهُمْ} بالنصب حال، ولكن ليس من (عليهم) في: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ} وإنما من الضمير العائد إلى المؤمنين الذين وصف الله نعمته عليهم في الآيات السابقة.

  ٢ - إن (عاليهم) بإسكان الياء لا يقع وصفا ل (ولدان مخلدون) كما قال به جامع العلوم؛ بل هو ظرف بمعنى (فوق)؛ ولذا بطل قوله: «وهو لا يتعرف بالإضافة»⁣(⁣٦) إذ عنده هو اسم فاعل معتمد، على تقدير الانفصال.

  ٣ - إن مجيء اسم الفاعل المفرد بمعنى الجماعة، قد ورد في أفصح الكلام، قال الله تعالى: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ} (٦٧)، وقال: {فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا}⁣(⁣٧).

  فجاء (سامر) بمعنى (سمّر)⁣(⁣٨) و (دابر) بمعنى (جميع)⁣(⁣٩).

  وجاء في الشعر:

  ألا إنّ جيراني العشيّة رائح ... دعتهم دواع من هوى ومنادح⁣(⁣١٠)


(١) شرح اللمع لجامع العلوم ١٧٢.

(٢) ٧٦: سورة الإنسان ٢١.

(٣) شرح اللمع لجامع العلوم ٨، والجواهر ٢: ٥٣٢.

(٤) أي: أبو علي.

(٥) الجواهر ١: ٥٣٢.

(٦) نفسه ٢: ٥٣٢.

(٧) ٢٣: سورة المؤمنون ٦٧.

(٨) ٦: سورة الأنعام ٤٥.

(٩) التاج (سمر) ١٢: ٧٢، ٧٣.

(١٠) نفسه (دبر) ١١: ٢٦١.