المبحث الرابع المذهب النحوي لجامع العلوم وآراؤه
  وبعد هذا الرد المبني على المسلمات في هذا الفن، عند الزجاج وغيره، قال جامع العلوم، واثقا مما قال: «وإذا تتبعت فليكن هكذا»(١).
  ٣ - مع أبي علي:
  ذهب أبو علي إلى أن (عاليهم) بإسكان الياء، من قوله تعالى: {عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ}(٢)، مبتدأ، و (ثياب سندس) خبره(٣).
  وصح (عاليهم) أن يكون مبتدأ، وهو مفرد، وخبره جماعة؛ لأنه اسم فاعل في موضع الجماعة.
  وذهب جامع العلوم إلى أن (عاليهم) وصف ل {وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ} ويرتفع {ثِيابُ سُندُسٍ} به.
  ولا يجوز أن يرتفع (عاليهم) بالابتداء، و {ثِيابُ سُندُسٍ} خبره، كما قاله أبو علي في الحجة؛ لكونه جاريا وصفا على (ولدان) وإن قال هو(٤) كقوله {سامِراً تَهْجُرُونَ} لم يصح ذلك(٥).
  وذهب أيضا إلى أن {عالِيَهُمْ} بالنصب حال من {وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ} أو من الهاء والميم في (عليهم).
  أقول: إن جامع العلوم لم يتأمل في سياق هذه الآية، وما أكتنفها من الآي، فوقع في أوهام شتى، وجلاء ذلك:
  ١ - إن {عالِيَهُمْ} بالنصب حال، ولكن ليس من (عليهم) في: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ} وإنما من الضمير العائد إلى المؤمنين الذين وصف الله نعمته عليهم في الآيات السابقة.
  ٢ - إن (عاليهم) بإسكان الياء لا يقع وصفا ل (ولدان مخلدون) كما قال به جامع العلوم؛ بل هو ظرف بمعنى (فوق)؛ ولذا بطل قوله: «وهو لا يتعرف بالإضافة»(٦) إذ عنده هو اسم فاعل معتمد، على تقدير الانفصال.
  ٣ - إن مجيء اسم الفاعل المفرد بمعنى الجماعة، قد ورد في أفصح الكلام، قال الله تعالى: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ} (٦٧)، وقال: {فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا}(٧).
  فجاء (سامر) بمعنى (سمّر)(٨) و (دابر) بمعنى (جميع)(٩).
  وجاء في الشعر:
  ألا إنّ جيراني العشيّة رائح ... دعتهم دواع من هوى ومنادح(١٠)
(١) شرح اللمع لجامع العلوم ١٧٢.
(٢) ٧٦: سورة الإنسان ٢١.
(٣) شرح اللمع لجامع العلوم ٨، والجواهر ٢: ٥٣٢.
(٤) أي: أبو علي.
(٥) الجواهر ١: ٥٣٢.
(٦) نفسه ٢: ٥٣٢.
(٧) ٢٣: سورة المؤمنون ٦٧.
(٨) ٦: سورة الأنعام ٤٥.
(٩) التاج (سمر) ١٢: ٧٢، ٧٣.
(١٠) نفسه (دبر) ١١: ٢٦١.