كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

المبحث الخامس موقف جامع العلوم من النحويين السابقين

صفحة 40 - الجزء 1

  وقال ذو الرمة:

  وكم عرّست بعد السّرى من معرّس ... به من عزيف الجنّ أصوات سامر

  فجاء سامر بمعنى الجمع فإذا ثبت ذلك فقد بطل قول جامع العلوم: «ولو كان {ثِيابُ سُندُسٍ} مبتدأ، و {عالِيَهُمْ} خبره، لم يجز؛ لأن {عالِيَهُمْ} مفرد فلا يكون خبرا للجمع».

  ٤ - إن {عالِيَهُمْ} بالإسكان لا يقع وصفا ل {وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ} لأن (الولدان المخلدين) هم من جملة ما أخدم الله به المؤمنين، فهم من نعم الله على المؤمنين، فبقي أن يكون ظرفا بمعنى (فوق) والهاء فيه تعود على المؤمنين المذكورين في الآيات قبل.

  ٥ - وعند ما يكون (عاليهم) بالإسكان ظرفا، فيكون، إعرابه عند ذاك خبرا مقدما، و {ثِيابُ سُندُسٍ} مبتدأ مؤخرا.

  والتقدير: ويطوف عليهم ولدان مخلدون فوقهم ثياب سندس.

  ٦ - أوّل جامع العلوم {عالِيَهُمْ} بالإسكان ب (يعلوهم)⁣(⁣١) فبقي على سهوه في إرادة الصفة، و (يعلوهم) عندي يبقى حالا، صاحبه الأبرار المثابون الذين سبق مدحهم والثناء عليهم هذه الآية، واستمر بعدها، دون الولدان المخلدين.

المبحث الخامس موقف جامع العلوم من النحوييّن السابقين

  أ - مع النحويين البصريين

  ١ - مع الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت ١٧٠ هـ):

  جامع العلوم يجل الخليل أيما إجلال، إذ لم ينل منه في المسائل التي ذهب فيها مع غيره.

  وقد ورد ذكر الخليل في شرح اللمع خمس عشرة مرة، ورأيت ذلك في كل أمر يقول به الخليل وسيبويه، ويقول غيرهما بخلافه، أو في كل مسألة يختلفان فيها، أو يورد رأي الخليل وكفى.

  ومن أمثلة ذلك: ما جاء من إثبات الياء في الاسم المنقوص المنادى، نحو يا قاضي، فسيبويه والخليل يثبتان الياء فيه، ويونس يحذفها منه فيقول: يا قاض.

  قال جامع العلوم: «فسيبويه والخليل يثبتان الياء، وحكى سيبويه عن يونس أنه كان يحذف الياء. قال: لأن المنادى موضع حذف وتخفيف»⁣(⁣٢).

  ومنه أيضا: اختلف سيبويه والخليل في (الألف واللام) أيهما للتعريف؟ فقال سيبويه: اللام للتعريف، وحدها، والألف وصل، وقال الخليل: الألف واللام جميعا للتعريف. وكان يقول⁣(⁣٣): إن (أل) للتعريف، كما أن (قد) للتوقع، و (هل) للاستفهام.

  وذهب جامع العلوم مذهب سيبويه، وقال: اللام وحدها، للتعريف دون الهمزة، والدليل


(١) مجمع البيان ١٠: ٤٠٩.

(٢) الكتاب ٤: ١٨٤، والأصول ٢: ٣٩٧.

(٣) أي: الخليل، ينظر الكتاب ٣: ٣٢٤ - ٣٢٥.