كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

المبحث الخامس موقف جامع العلوم من النحويين السابقين

صفحة 42 - الجزء 1

  وعندي أن ما ذهب إليه سيبويه هو الصحيح، لأن (أفعى وسكرى وحبلى) وما شاكلها من الأسماء المختومة بألف التأنيث، لا تقلب هذه الألف فيها ياءا عند إضافتها إلى الضمير، فلا يقال في (أفعاك): أفعيك وأفعيه، كما قالوا: لبيك ولبيه، فبطل أن تكون (فلبى يدي مسور) على حد الوقف في (أفعي) بل هو على حد (غلامي زيد)، فثبت أن (لبيك) تثنية كما زعم الخليل وصاحب الكتاب⁣(⁣١)، لا كما قال به جامع العلوم.

  ٣ - مع الأخفش، أبي الحسن سعيد بن مسعدة (ت ٢١٠ هـ)

  ذكر جامع العلوم آراء الأخفش في اثني عشر موضعا من شرحه. وكان في أغلب أمره ناقلا لتلك الآراء، غير ناقض لها، أو معترض عليها. فمثال ما نقل عنه قول الأخفش: «إنما امتنع الجر من الأفعال؛ لأن الأفعال أدلة على فاعليها. فهي مع فاعليها جملة، فلا يمكن قيامها مقام التنوين»⁣(⁣٢).

  ونقل عنه بشأن إعراب الأسماء الستة، قوله: «إن هذه الحروف دلائل الإعراب».

  قال جامع العلوم: وهذا يؤول إلى قول سيبويه، وذلك لأن القول عند سيبويه: إن هذه الحروف حروف إعراب⁣(⁣٣)، والحركة فيها مقدرة، ليبقى دليل الإعراب، كقول الأخفش، لا فرق بينهما⁣(⁣٤).

  ورد جامع العلوم بعض آراء الأخفش، ونقضها، منها عدم تجويز الأخفش قولهم: في داره زيد؛ وإنما لا يجوز عنده؛ لأنه يصير كناية عن غير مذكور، لأن (زيد) عنده يرتفع بالظرف قبله، فيجب أن يكون على حد قولك (خلفك زيد).

  قال جامع العلوم، إذا رفع (زيد) بالظرف على زعم الأخفش فهو بمنزلة الفعل والفاعل، كقولك: ذهب زيد، وأنت إذا قلت: ذهب زيد؛ فقد وقع (ذهب) موقعه فلا ينوى به التأخير، فكذا (في داره زيد). وقد قالت العرب: «في أكفانه درج الميت». والتقدير: درج الميت في أكفانه. فكيف يرد أبو الحسن هذا⁣(⁣٥)؟!.

  وجوز الأخفش العطف على عاملين مختلفين، نحو: مررت بزيد في الدار والقصر عمرو، جوز عطف (القصر) على (الدار) المجرور ب (في) وعطف (عمرو) على (زيد) المجرور بالباء؟

  واستشهد لجواز ذلك بقول الفرزدق:

  وباشر راعيها الصّلا بلبانه ... وكفّيه، حرّ النّار ما يتحرف

  فجر (كفيه) عطفا على المجرور بالباء، ونصب (حر النار) عطفا على المنصوب ب (باشر) فهما عاملان مختلفان.


(١) الكتاب ١: ٣٤٨ - ٣٥٣، واللسان (لبب).

(٢) شرح اللمع لجامع العلوم ١٢.

(٣) الكتاب ١: ١٧، ١٨.

(٤) شرح اللمع لجامع العلوم ٤٨، والإيضاح في علل النحو ١٣٠.

(٥) شرح اللمع لجامع العلوم ٨٣.