المبحث الخامس موقف جامع العلوم من النحويين السابقين
  ورد هذا جامع العلوم فقال: «والأمر بخلاف ما زعم أبو الحسن، وذلك؛ لأنه لو جاز العطف على عاملين، لجاز العطف على عشرة عوامل. ولو جاز ذلك؛ لجاز على مئتين، وأكثر من ذلك. وهذا بين الفساد؛ لأن حرف العطف قائم مقام العامل، فيقوم مقام عامل واحد، ولا يبلغ من قوته أن يقوم مقام عاملين(١). أما ما احتج فيه من بيت الفرزدق؛ فإنما جاز إضمار أحد العاملين فيه (وهو الباء أو باشر) لجري ذكره، والشيء إذا جرى ذكره جاز إضماره ضرورة تصحيح اللفظ والكلام».
  وأنا أذهب إلى ما ذهب إليه جامع العلوم، وأضيف إلى ما رد به أبا الحسن الأخفش فأقول: إن (الباء) و (في) في جملة أبي الحسن الأخفش (مررت بزيد في الدار) يختلفان في ما يؤديانه ويفضيان إليه من معنى، ف (الباء) (بزيد) تفيد الإلصاق، و (في) تفيد الظرفية، وهما معنيان كل منهما قائم بذاته؛ فالعطف عليهما، وهما مختلفان، يوقع في النفس اللبس والإبهام والغموض.
  ونحن نعلم أن الألفاظ لا تتحصل معانيها إلا من خلال ضرب من التأليف والترتيب. فسوء النظم لها، يقطع الرحم والصلة بينها، ويخرجها من جمال البيان إلى لون من الهذيان؛ ذلك لأن الألفاظ تنسجها المعاني القائمة في النفس، محكومة بقبول العقل؛ فلا أظن الأخفش يستطيع أن يوجد بين (مررت بزيد في الدار) وبين (والقصر عمرو) هذه الصلة المعقولة.
  ٥ - مع المازني، أبي عثمان بكر بن محمد (ت ٢٣٠ هـ)
  ذكر جامع العلوم أبا عثمان المازني في شرحه ثماني مرات، نقل فيها آراءه، وإشكالاته على أبي الحسن الأخفش. فمما نقل عنه من الآراء، ما ذهب إليه في أن قوله تعالى: {أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ}(٢)، وقول امرئ القيس:
  قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللّوى بين الدّخول فحومل
  معناه: ألق ألق، وقف قف، فاستغنى بتثنية الفاعل، عن تكرار الفعل لأن الفاعل جزء من أجزاء الفعل، فإذا ثني الفاعل؛ فكأنه كرر الفعل(٣).
  وكذلك رأيه في ألف الاسم المقصور، الموقوف عليها، نحو: هذه عصا ومررت بعصا، ورأيت عصا، أنها في الأحوال الثلاث بدل من التنوين.
  وقال جامع العلوم بما قال به سيبويه، من أن هذه الألف في حالتي الرفع والجر، هي التي حذفت من أجل التنوين، وفي حالة النصب، بدل من التنوين؛ لأن قياس المعتل على الصحيح.
  فكما حذفنا التنوين في الصحيح، فقلنا في حالتي الرفع والجر: هذا زيد، ومررت بزيد، وقلنا في حالة النصب: رأيت زيدا فليكن المعتل بهذه المثابة(٤).
  وأجاز المازني: نفسا طاب زيد، بتقديم المنصوب، محتجا بقول الشاعر:
  أتهجر ليلى بالفراق حبيبها ... وما كان نفسا بالفراق تطيب
(١) شرح اللمع لجامع العلوم ١١٨.
(٢) ٥٠: سورة ق ٢٤.
(٣) شرح اللمع لجامع العلوم ٨٧، ٨٨.
(٤) نفسه ٣٦.