كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب إعراب الاسم الواحد

صفحة 81 - الجزء 1

  [قال أبو الفتح]: فإن أضفت ما لا ينصرف، أو دخلته الألف، واللام، فأمن فيه التنوين، دخله الجر في موضع الجر.

  [قلت]: المقصود بالمنع في باب ما لا ينصرف، إنما هو التنوين دون الجر. والجر حيث منع، إنما منع على جهة التبع له، وذلك لأن التنوين هو الفارق بين الاسمين، وهو [١١ / ب] من خصائص الأسماء. فإذا اجتمع الفرعان، منعا ما كان من خصائصه، فلما عاد إلى موضع لا يمكن فيه الجمع بين التنوين والإضافة، أو الألف واللام عاد الجر، لأمنهم التنوين في ذينك الموضعين.

  وإنما تبع الجر التنوين في المنع، لأنه من خصائص الاسم، كما أن التنوين كذلك. فإذن قول من قال: إن الجر في قولك: مررت بالأحمر، والأشقر، وباحمدكم، وعثماننا، إنما كان، لأنه دخل هذا الاسم، ما لم يدخل الفعل، فعاد إليه الجر، قول فاسد، وذلك، لأنه لو كان كذلك، كان ينبغي أن يدخله الجر، إذا دخله حرف الجر، نحو: مررت بأحمد، لأن حرف الجر، لا يدخل الفعل، فكذلك هاهنا.

  [قال أبو الفتح]: فإن وقفت على المرفوع، والمجرور، حذفت التنوين، لأنه زائد، لا يوقف عليه ... إلى آخر الفصل⁣(⁣١).

  [قلت]: الوقف على المرفوع، والمجرور المنصرفين، قياسهما، إذا قيسا بالمنصوب، أن تقلب التنوين واوا في الرفع، وياءا في الجر، كما قلبت التنوين في النصب ألفا. فكان ينبغي أن يقال: هذا زيدو، ومررت بزيدي، كما قلت في موضع النصب: رأيت زيدا.

  وهذه لغة حكاها سيبويه⁣(⁣٢) عن أزد السراة⁣(⁣٣). لكنهم تركوا هذا القياس في الرفع، والجر، لثقل الواو، والياء. وإذا كانوا قالوا: يا اسما، على لغة من قال: يا حار، وأدل، في جمع: دلو، فأحرى أن لا يقال: هذا زيدو. وإذا كانوا قد قالوا: لا أدر، ولم أبل، وأن يدر، فحذفوا ما هو من نفس الكلمة، استخفافا، فلأن لا يقولوا: مررت بزيدي، أولى، وأجدر. ولما قلبوا التنوين الفا في قولك: رأيت زيدا في الوقف لخفة الألف، وهي في الأسماء. [قال الشاعر]:

  ٢٠ - ... ... ولا تعبد الشّيطان، والله فأعبدا⁣(⁣٤)

  وهو نون فقلبوها ألفا، ففي الأسماء أجدر، ولأنه أحمل للتصرف. وقد قالوا: رأيت


(١) تمامه: وأسكنت آخرهما، لأن العرب انما تبتدئ بالمتحرك، وتقف على الساكن. اللمع في العربية ٦١.

(٢) الكتاب ٤: ١٦٧، وفيه: (وزعم أبو الخطاب أن أزد السراة يقولون: هذا زيدو، وهذا عمرو، ومررت بزيدي، وبعمري، جعلوه قياسا واحدا، فأثبتوا الألف). وينظر: شرح شافية ابن الحاجب ٢: ٢٧٤.

(٣) السراة، بفتح السين: جبل بناحية الطائف، مشرف على عرفة، ينقاد إلى صنعاء أوله سراة ثقيف، ثم سراة فهم، وعدوان، ثم سراة الأزد، ثم الحرة آخر ذلك. معجم البلدان ٣: ٢٠٤، ٢٠٥، واللسان (سرا) ١٤: ٣٨٣، وينظر: هامش سيرة ابن هشام ١: ١٤.

(٤) البيت من الطويل، للأعشى، وصدره:

وذا النصب المنصوب، لا تنسكنّه ...

وهو في: ديوانه ١٣٥، والكتاب ٣: ٥١٠.

وبلا نسبة في: المقتضب ٣: ١٢، والإنصاف ٢: ٦٥٧، والمغني ٢: ٣٧٢، وأوضح المسالك ٥٦١.