باب إعراب الاسم المعتل
  بقاضي، فتقف بالياء، لأن الياء إنما حذفت، لأجل التنوين. فإذا زال التنوين، عاد ما حذف من أجله. وبذلك وردت قراءة ابن كثير(١): (ما لهم من دونه من والي). فأما في موضع النصب، فإنك تقول: رأيت قاضيا. فتقف بالألف المبدلة من التنوين، كما تقول: رأيت زيدا. فأما إذا لم يكن منونا، فإنك في موضع الرفع، والجر تثبت الياء ساكنة، فتقول: هذا القاضي، ومررت بالقاضي يا فتى. والأصل فيه، هذا القاضي، ومررت بالقاضي، فأسكنت الياء استثقالا للضمة، والكسرة فيها، فبقيت الياء ساكنة. فأما في موضع النصب، فإنك تقول: رأيت القاضي، فتفتح الياء لخفة الفتحة.
  فأما إذا وقفت على هذا النحو، فإنك تقول في الرفع، والجر: هذا القاض، ومررت بالقاض، فتحذف الياء في الوقف، لأن الياء تجري مجرى الحركة في نحو: لم يدر، ولم يرم. وإذا كانت بمنزلتها، وهي تحذف في الوقف كان ما في حكمها كذلك. قال الله تعالى: {عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ} (٩)(٢) ومنهم من يقف بالياء، فيقول: هذا القاضي، ومررت بالقاضي، فلا تحذف الياء، لأن الموجب لحذفها التقاء الساكنين، ولم يلتقيا هنا. وبذلك وردت القراءة عن ابن كثير(٣) (الكبير المتعالي) وهو الاختيار، عند سيبويه(٤)، ولا يلزمه قراءة الجمهور: (الكبير المتعال) بحذف الياء، لأن ذلك كقولك: {وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ} (٤)(٥) {ما كُنَّا نَبْغِ}(٦) فأما في موضع النصب، فإنك تقول: رأيت القاضي: فتثبت الياء، ولا تحذفها، لأنها كانت في الوصل بالفتح، فلما وقفت أسكنت، فظهر الفرق بين الوقف، والوصل، فلم تحتج إلى الحذف. فهذا معنى قوله: تقف بالياء لا غير. [١٤ / أ] يعني أن المنصوب بخلاف المرفوع، والمجرور. فأما إذا ناديت هذا النحو من الأسماء، نحو قولك: يا قاضي، فسيبويه، والخليل(٧) يثبتان الياء. وحكى سيبويه عن يونس(٨) أنه كان يحذف الياء. قال: لأن المنادى موضع حذف، وتخفيف. ألا تراهم، قالوا: يا حار، فحذفوا ما هو أجلد، وأقوى من الياء(٩) فما ظنك بالياء، وقد جرى عليها ما جرى قبل النداء؟. فقال الخليل له: هذا إنما يكون أن لو وقع بعد الياء حرف ساكن في النداء، والياء في المنادى المفرد في
(١) وكذلك: قنبل، ويعقوب. السبعة ٣٧٢، وحجة القراءات ٣٧٥، والنشر ٢: ١٣٧، ٢٩٧.
(٢) ١٣: سورة الرعد ٩.
(٣) ويعقوب كذلك. النشر ٢: ٢٩٨.
(٤) الكتاب ٤: ١٨٣، وفيه: (فإذا لم يكن في موضع تنوين فإن البيان أجود في الوقف).
(٥) ٨٩: سورة الفجر ٤.
(٦) ١٨: سورة الكهف ٦٤.
(٧) هو: أبو عبد الرحمن، الخليل بن أحمد، الفراهيدي، نحوي، لغوي، زاهد (ت ١٧٠ هـ على الأرجح). كان أستاذ سيبويه، له: كتاب: (العين) في اللغة، و: (معاني الحروف)، وهو واضع علم العروض، والقوافي. ينظر: مراتب النحويين ٥٤، وطبقات النحويين واللغويين ٤٧ - ٥١، ونزهة الألباب ٤٥ - ٤٧.
(٨) الكتاب ٤: ١٨٤، وفيه، قال سيبويه: (سألت الخليل عن القاضي في النداء، فقال: اختار: يا قاضي، لأنه ليس بمنون، كما اختار هذا القاضي. وأما يونس فقال: يا قاض. وقول يونس أقوى).
(٩) يعني: الثاء، في حارث، وهي حرف صحيح، فوصفه بالجلادة مجازا.