كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب إعراب الاسم المعتل

صفحة 87 - الجزء 1

  بقاضي، فتقف بالياء، لأن الياء إنما حذفت، لأجل التنوين. فإذا زال التنوين، عاد ما حذف من أجله. وبذلك وردت قراءة ابن كثير⁣(⁣١): (ما لهم من دونه من والي). فأما في موضع النصب، فإنك تقول: رأيت قاضيا. فتقف بالألف المبدلة من التنوين، كما تقول: رأيت زيدا. فأما إذا لم يكن منونا، فإنك في موضع الرفع، والجر تثبت الياء ساكنة، فتقول: هذا القاضي، ومررت بالقاضي يا فتى. والأصل فيه، هذا القاضي، ومررت بالقاضي، فأسكنت الياء استثقالا للضمة، والكسرة فيها، فبقيت الياء ساكنة. فأما في موضع النصب، فإنك تقول: رأيت القاضي، فتفتح الياء لخفة الفتحة.

  فأما إذا وقفت على هذا النحو، فإنك تقول في الرفع، والجر: هذا القاض، ومررت بالقاض، فتحذف الياء في الوقف، لأن الياء تجري مجرى الحركة في نحو: لم يدر، ولم يرم. وإذا كانت بمنزلتها، وهي تحذف في الوقف كان ما في حكمها كذلك. قال الله تعالى: {عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ} (٩)⁣(⁣٢) ومنهم من يقف بالياء، فيقول: هذا القاضي، ومررت بالقاضي، فلا تحذف الياء، لأن الموجب لحذفها التقاء الساكنين، ولم يلتقيا هنا. وبذلك وردت القراءة عن ابن كثير⁣(⁣٣) (الكبير المتعالي) وهو الاختيار، عند سيبويه⁣(⁣٤)، ولا يلزمه قراءة الجمهور: (الكبير المتعال) بحذف الياء، لأن ذلك كقولك: {وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ} (٤)⁣(⁣٥) {ما كُنَّا نَبْغِ}⁣(⁣٦) فأما في موضع النصب، فإنك تقول: رأيت القاضي: فتثبت الياء، ولا تحذفها، لأنها كانت في الوصل بالفتح، فلما وقفت أسكنت، فظهر الفرق بين الوقف، والوصل، فلم تحتج إلى الحذف. فهذا معنى قوله: تقف بالياء لا غير. [١٤ / أ] يعني أن المنصوب بخلاف المرفوع، والمجرور. فأما إذا ناديت هذا النحو من الأسماء، نحو قولك: يا قاضي، فسيبويه، والخليل⁣(⁣٧) يثبتان الياء. وحكى سيبويه عن يونس⁣(⁣٨) أنه كان يحذف الياء. قال: لأن المنادى موضع حذف، وتخفيف. ألا تراهم، قالوا: يا حار، فحذفوا ما هو أجلد، وأقوى من الياء⁣(⁣٩) فما ظنك بالياء، وقد جرى عليها ما جرى قبل النداء؟. فقال الخليل له: هذا إنما يكون أن لو وقع بعد الياء حرف ساكن في النداء، والياء في المنادى المفرد في


(١) وكذلك: قنبل، ويعقوب. السبعة ٣٧٢، وحجة القراءات ٣٧٥، والنشر ٢: ١٣٧، ٢٩٧.

(٢) ١٣: سورة الرعد ٩.

(٣) ويعقوب كذلك. النشر ٢: ٢٩٨.

(٤) الكتاب ٤: ١٨٣، وفيه: (فإذا لم يكن في موضع تنوين فإن البيان أجود في الوقف).

(٥) ٨٩: سورة الفجر ٤.

(٦) ١٨: سورة الكهف ٦٤.

(٧) هو: أبو عبد الرحمن، الخليل بن أحمد، الفراهيدي، نحوي، لغوي، زاهد (ت ١٧٠ هـ على الأرجح). كان أستاذ سيبويه، له: كتاب: (العين) في اللغة، و: (معاني الحروف)، وهو واضع علم العروض، والقوافي. ينظر: مراتب النحويين ٥٤، وطبقات النحويين واللغويين ٤٧ - ٥١، ونزهة الألباب ٤٥ - ٤٧.

(٨) الكتاب ٤: ١٨٤، وفيه، قال سيبويه: (سألت الخليل عن القاضي في النداء، فقال: اختار: يا قاضي، لأنه ليس بمنون، كما اختار هذا القاضي. وأما يونس فقال: يا قاض. وقول يونس أقوى).

(٩) يعني: الثاء، في حارث، وهي حرف صحيح، فوصفه بالجلادة مجازا.