كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب إعراب الاسم المعتل

صفحة 88 - الجزء 1

  تقدير الضمة، دون التنوين، فلا سبيل إلى الحذف. وأجمعا⁣(⁣١) مع يونس، أنك لو ناديت اسم الفاعل من (أرى، يري) قلت: يا مري. ولا يقول يونس: يامر، كما قال يا قاض، لأن في: يامر، إجحافا بعد إجحاف. أعني حذف الياء، بعد حذف الهمزة. وتوالي إعلالين مطرح في كلامهم.

  وأما ما كان في آخره ألف مفردة، فإنه يسمى: مقصورا. وإنما سمي مقصورا، لأنه ممنوع عن ظهور الحركات في لفظه. وهو على ضربين: منصرف وغير منصرف، فالمنصرف على ضربين: واوي، ويائي. فالواوي، نحو: عصا، أصله: عصو، أبدلت من الواو ألف، لتحركها، وانفتاح ما قبلها، فصار عصا. وجاءت التنوين لتمكن الاسم فأوجبت حذف الألف لالتقاء الساكنين وكان التنوين بالإبقاء أولى، للفرق بين المنصرف وغير المنصرف. وهكذا حكم اليائي. نحو: فتى أصله: فتين فأبدلت من الياء ألف على ما تقدم. قال الله تعالى: {يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً}⁣(⁣٢). فلم يجر الثاني، كما لم يرفع الأول، لأن الاسم مقصور. هذا حكمه في الوصل. فأما في حال الوقف، فلا خلاف أنك تقف بالألف، في الأحوال الثلاثة فتقول: هذه عصا، ومررت بعصا، ورأيت عصا. وإنما الخلاف في هذه الألف: من أية جهة جاءت؟! فسيبويه⁣(⁣٣) زعم أن الألف في موضع الرفع، والجر، هي التي حذفت من أجل التنوين، في حالة الوصل، وأنها في موضع النصب، بدل من التنوين. وقال أبو عثمان⁣(⁣٤): الألف في الأحوال [١٤ / ب] الثلاث، بدل من التنوين. وقال السيرافي: الألف في الأحوال الثلاث، هي المبدلة من الواو، أو الياء⁣(⁣٥). والقول قول سيبويه، لأن قياس المعتل على الصحيح، ونحن قد حذفنا في الصحيح، في موضع الرفع، والجر: التنوين. فإذا حذفنا، هاهنا، عادت الألف. وفي الصحيح المنصوب، أبدلنا من التنوين ألفا، نحو: رأيت زيدا.

  فليكن المعتل بهذه المثابة. وفائدة هذا الخلاف، أنه إذا قلنا: الألف بدل من التنوين، لم نجز فيها الإمالة. وإذا قلنا: الألف بدل من الياء، أجزنا فيها الإمالة، وقد جاء: {هذا هُدىً}⁣(⁣٦)، بالإمالة.

  فيكف يكون بدلا من التنوين؟!.

  [فإن قلت]: فقد جاء {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى}⁣(⁣٧) بالإمالة، وعلى زعمك: الألف


(١) أي: سيبويه، والخليل.

(٢) ٤٤: سورة الدخان ٤١.

(٣) ٤: ١٨٧، إذ لم يذكر الشارح عبارة سيبويه بنصها، وإنما ذكر فحواها، ونص عبارته: (واما الألفات التي تذهب في الوصل، فإنها لا تحذف في الوقف، لأن الفتحة، والألف أخف عليهم).

(٤) هو: أبو عثمان، بكر بن محمد بن بقية، المازني، البصري (ت ٢٣٠ هـ). روى عن أبي عبيدة، والأصمعي، وأبي زيد. كان متسعا في الرواية، قديرا على الكلام، قال تلميذه المبرد: لم يكن بعد سيبويه أعلم بالنحو من أبي عثمان. ينظر: نزهة الألباء ١٨٢ - ١٨٧.

(٥) شرح شافية ابن الحاجب ٢: ٢٨٣.

(٦) ٤٥: سورة الجاثية ١١.

أمالها: حمزة، والكسائي، غيث النفع ٣١٠.

(٧) ٢: سورة البقرة ١٢٥.

أمالها: حمزة، والكسائي، وخلف، والأعمش. إتحاف الفضلاء ١٤٧.