[من مكائد الشيطان]
  وربما أوهمه العدو أن الاجتهاد والطلب لا يظفران بالمطلوب، ولا يوصلان إلى المقصود، وأن الوصول عطية يعطيها الله من يشاء؛ وإن الطلب ربما كان حجابًا بين العبد وبين ربه؛ لأن العبد إذا نظر إلى الطلب وسكن إليه كان ذلك سببًا لقطع الطريق؛ فيذهله بذلك عن المجاهدة، ويورثه فتورًا عظيمًا يقطعه بذلك، وهذا أيضًا إنما يعرض في الأكثر لمن يعاشر أهل التصوف على ما بينا.
  واعلم أن الوصول وإن كان عطية من الله وتفضلاً؛ فلا بد من الطلب والاجتهاد وبذل الطاقة في تحصيل الغرض، وهكذا وَعَد الله تعالى فقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ٦٩}[العنكبوت: ٦٩]، فلا يغتر المريد بهذه المكيدة فإنه لا يأمن أن يصرعه بها العدو صرعة لا نهوض بعدها(١) عصمنا الله من ذلك.
  وحكي عن بعض العلماء - وأظنه عن الجنيد | - أن في سير المريد ألف قاطع يقطعه، كل واحد منها يحول بينه وبين مطلوبه، فليحذر المريد هذه القواطع كل الحذر، وليكن في جميع أحواله مستعينًا بالله ø لاجئًا إليه، خاضعًا بين يديه، متبرئا من حوله وقوته، مستعصمًا بحول الله وقوته، وليعلم المريد أن الآفات وإن كانت كثيرة جمة فليس يجوز ترك الاجتهاد ليسلم من الآفات، (بل يجب أن يجتهد في
(١) في (هـ) نهوض معها، وفي (ص) لا ينهض بعدها.